أحياناً تكون التكنولوجيا مثل جهاز التحكم عن بُعد «ريموت التلفاز»، ذلك الذي يصرّ أحد أفراد الأسرة على احتكاره وهو لا يميز بين زر الصوت وزر تغيير القناة، فتراه يضغط بعشوائية حتى يعطّل الجهاز تماماً، ثم يلتفت إلى الحاضرين متهماً إياهم بأنهم السبب وراء خراب هذا الجهاز «الغبي».
هذا المشهد الذي يبدو طريفاً ومتكرراً في منازلنا، يحدث أيضاً في مؤسسات كثيرة بشكلٍ أكثر تكلفةً وإزعاجاً. فهناك مشاريع تقنية ضخمة تتحول فجأة من حلم جميل إلى كابوسٍ مرهق، والسبب ببساطة: مسؤول تقني «مفترض» في هذا الموقع، وضع في منصب لا يناسبه ولا يمتلك فيه الكفاءة المطلوبة. تراه يتحدث في الاجتماعات بجملٍ مهيبة مثل «التحوّل الرقمي» و«الثورة الصناعية الرابعة» و«الحوسبة السحابية»، لدرجة توحي للحاضرين أنهم يستمعون إلى ستيف جوبز في نسخته البحرينية. ولكن ما أن تُطرح فكرة مميزة وواعدة، حتى يتحول إلى فيلسوف يتحدث بعمق عن تفاصيل لا يفقهها أصلاً، ظناً منه أن التعقيد سيجعله يبدو أكثر ذكاءً!
ثم يبدأ، للأسف، رحلة ملتوية لتعطيل المشروع؛ أمام إدارة المؤسسة يبدو متحمساً، يدّعي التعاون الكامل، لكن في الواقع، لا يقدم أي دعم حقيقي، ولا يبذل أي جهد جاد لمساعدة المشروع. يكتفي بالتنظير والتشكيك ونشر السلبية بين الموظفين، وفي أحيانٍ كثيرة يسعى لإثبات أن المشروع غير ناجح، لا لشيء إلا لأن نجاحه على يد غيره سيكشف ضعفه وعجزه عن تحقيق شيء مماثل من قبل.
هذا النوع من المسؤولين يشبه صديقاً نعرفه جميعاً، ذلك الذي يرفض تجربة مطعم جديد فقط لأن شخصاً آخر أعجبه المطعم قبله. تسأله عن السبب فيقول لك: «سمعت أن أكلهم سيئ»، فتسأله مرة أخرى: «هل جربته بنفسك؟»، فيرد بكل ثقة: «لا، بس قلبي مو مرتاح له!». تمامًا مثل صاحبنا المسؤول التقني، يرفض أي مشروعٍ ليس من ابتكاره، لأن نجاح المشروع على يد غيره يعني أن عليه الاعتراف بأن هناك من هو أفضل منه.
أما إدارة المؤسسة نفسها، ففي بعض الحالات، تدعم التقنية كما تدعم أنت ناديك المفضل: بحماس إذا كان منتصرًا، وبإهمالٍ وتجاهل إذا تعثر قليلاً. ونوع آخر يشبه ذلك الأب الذي يحضر اجتماعات أولياء الأمور فقط للاستمتاع بالقهوة والحلويات، فيما ابنه في الفصل يعاني ويكافح. يثق هؤلاء المسؤولون بما يقوله هذا المسؤول التقني ثقةً عمياء، فلا يعرفون تفاصيل ما يجري على أرض الواقع، ولا يدركون أن اختيارهم لهذا المسؤول ربما يكون الخطأ الأكبر.
في كل مرة أشاهد موظفاً بسيطاً يحاول إتمام معاملته عبر نظام تقني متعطل، أشعر بالحسرة عليه. فهو يظن أن التقنية هي المتهم الأول، ولا يدري أن المتهم الحقيقي يجلس في مكتبٍ مجاور يردد المقولة الشهيرة: «خلونا ندرس الموضوع زيادة».الحقيقة المرّة هي أن التكنولوجيا بريئة من تعطّل مشاريعنا. ما يُعطّلها فعلاً هو «الريموت» الذي يُصر بعض المسؤولين على احتكاره، رغم أنهم لا يجيدون استخدامه!
وحتى لا يبقى هذا الحال واقعاً مؤلماً، علينا أن نشجع أبناءنا ونحفّزهم على اكتساب مهارات حقيقية تؤهلهم لقيادة التغيير التقني، بعيداً عن الخوف من نجاح الآخرين أو التردد أمام تحديات المستقبل، جيل يعرف جيداً متى وكيف يضغط على الزر الصحيح!* خبير تقني