في لحظة إقليمية مفصلية، شكّلت القمة الخليجية الأخيرة مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حدثاً يتجاوز دلالاته السياسية والاقتصادية، ليحمل في طيّاته إعلاناً صريحاً عن تحوّل جوهري في معادلة القوة الإقليمية: الخليج اليوم لا ينتظر، بل يقود.ما أثار القلق والارتباك لدى بعض الأنظمة، خاصة تلك التي تتغذى على الخطابات الثورية والاضطرابات المزمنة، لم يكن مضمون القمة فحسب، بل ما تمثله من تجسيد لتحول استراتيجي أعمق. فالمشهد الخليجي لم يعد خاضعاً لمعادلة الاستجابة، بل بات فاعلاً رئيساً في صياغة المشهدين الإقليمي والدولي على حدّ سواء. هذا التقدم الواثق لدول الخليج العربي، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، أظهر هشاشة المشاريع المضادة التي قامت لعقود على تبرير الفشل بالتآمر، والتخلّف بالممانعة.ردود الفعل الغاضبة، والتصعيد الإعلامي الممنهج من قنوات محسوبة على ما يُعرف بمحور المقاومة، لم تكن سوى انعكاس لحالة من الذعر السياسي والإيديولوجي، إذ بدا واضحاً أن المشروع الذي اعتاش على التجييش والصوت العالي بات مهدداً من خطاب مختلف: خطاب التنمية، والسيادة، والاعتدال السياسي.لقد مثّلت الاتفاقيات الاقتصادية والعسكرية الموقّعة خلال الزيارة الأخيرة للرئيس الأمريكي ترامب مؤشراً صريحاً على أن دول الخليج العربي لم تعد ساحة نفوذ، بل شريكاً في صياغة التوازنات. هذا التحوّل لا يعني فقط تعزيز الحضور الإقليمي، بل أيضاً تحدياً صريحاً للخطاب المقاوم التقليدي الذي يربط السيادة بالانعزال، ويختزل الكرامة بالشتائم السياسية.وما يُقلق هذه الأنظمة أكثر من التحالفات هو المشروع الاقتصادي العميق الذي تبنيه السعودية ودول الخليج العربي: تنويع اقتصادي، استقلال في القرار المالي، صعود صناعي وتكنولوجي، وتحولات هيكلية تؤسس لنموذج جديد من «القوة السيادية» المستقلة عن العواصم الكبرى، والمحصّنة ضد الابتزاز الأيديولوجي.السعودية اليوم، ليست فقط قوة نفطية أو صوتاً دينياً؛ إنها تعود إلى دورها الطبيعي كقوة سياسية راشدة، تصنع التوافقات، وتحلّ النزاعات، وتقود الملفات الإقليمية من موقع الفعل لا ردة الفعل. وهذا ما يصعب على البعض تقبله: أن القيادة لم تعد حكراً على الشعارات، بل تُقاس اليوم بقدرة الدول على صناعة الأمل والاستقرار والقرار.حجر الزاويةما يُخيف هؤلاء الأنظمة ليس انعقاد القمة أو نوعية الاتفاقيات، بل ما تمثله من ولادة مسار جديد مختلف: مسار لا يطلب الإذن، ولا ينتظر الإملاء، ولا يخشى التصعيد. مسار يُعيد الاعتبار للعقلانية، ويقدّم بديلاً عملياً عن مشاريع الهدم والإرباك.في خضمّ هذا كله، تتشكّل حقيقة لا يمكن إنكارها: أن دول الخليج العربي، في زمن التحولات، تضع الإنسان، والاقتصاد، والسيادة في قلب مشروعها، بعيداً عن ضجيج الصراعات العقيمة.في هذا النظام الجديد، ليس حجر الأساس هو الضجيج، بل بناء الأمة. لا الثورة، بل الحسم. ليس الخضوع، بل الاستراتيجية. وهذا، أكثر من أي شيء آخر، ما يخشونه.
gatt_2007@hotmail.com
Opinion
لماذا تخشى بعض الأنظمة صعود القرار الخليجي؟
20 مايو 2025