قبل يومين، خيّم الحزن على البحرين إثر حادث مروري مأساوي أودى بحياة أب وأم، تاركاً خلفهما ثلاثة أطفال لا يزالون تحت الملاحظة الطبية، يتلقون العلاج وتحيط بهم قلوب البحرينيين بالدعاء والشفقة.
حادثٌ فتح جرحاً جديداً في الذاكرة الجماعية للشارع البحريني، الذي طالما نادى بإصلاحات جذرية للواقع المروري، محذراً من تفاقم التجاوزات والاستهتار الذي أضحى مشهداً مؤسفاً على الطرقات.
وسط هذا المشهد المؤلم، جاء التوجيه الكريم لصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظه الله، بمثابة بارقة أمل تعيد الثقة وتبعث الطمأنينة في النفوس، حيث وجّه سموه وزارة الداخلية بإعداد التشريعات اللازمة لتشديد العقوبات المرتبطة بالمخالفات المرورية والحوادث التي تسفر عن إصابات بليغة أو وفيات.
ويُعد هذا التوجيه امتداداً لجهود حكومية متواصلة تهدف إلى تحديث المنظومة التشريعية ذات العلاقة بالسلامة المرورية، بما يسهم في رفع مستوى الالتزام بالقانون ويحد من مظاهر الفوضى واللامبالاة.
وأن السلامة المرورية تمثل ركيزة أساسية من ركائز أمن المجتمع واستقراره، وهي خطوة تستحق التقدير، وتُجسد حرص القيادة على صون الأرواح والنظام العام.
لقد كانت البحرين، لعقود طويلة، مثالاً في أخلاقيات القيادة والهدوء في الشوارع، يُحتذى بها بين الأشقاء الخليجيين.
إلا أن السنوات الأخيرة حملت معها متغيرات واضحة، ليس فقط على مستوى البنية التحتية، بل في السلوك العام لعدد متزايد من السائقين، حيث سادت مظاهر الاستهتار والرعونة، فكلٌّ يسعى لفرض أسبقيته وكأن الطريق ملكٌ له وحده.
هذا التحول الخطير لا يمكن عزله عن عدة عوامل تراكمية، أبرزها الازدحام المروري المتزايد بشكل فاق قدرة الشوارع على الاستيعاب، والارتفاع الكبير في أعداد الدراجات النارية، التي باتت تزاحم المركبات بشكل مزعج ومستفز.
كما لا يمكن إغفال التغير في التركيبة السكانية، حيث دخل الشارع البحريني في السنوات الأخيرة أنماط وسلوكيات دخيلة، بعضها جاء مع فئة من الأجانب والبعض الآخر نتيجة تطرف سلوكي لدى بعض فئات الشباب، فباتت الفوضى والتهور سمتين بارزتين.
في ضوء كل ما سبق، يأتي التوجيه الأبوي من سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء كخطوة حازمة تستعيد هيبة القانون، وتعيد ضبط إيقاع الشارع البحريني بما ينسجم مع القيم الأصيلة لهذا الوطن، ويعكس سمعته التي طالما عُرفت بحسن التعامل وأخلاق القيادة.
إن الأمل اليوم معقود على أن تُترجم هذه التوجيهات إلى واقع تشريعي صارم، يحمي الأرواح، ويمنح العائلات – البحرينية والمقيمة – شعوراً بالأمان، ويعيد لشوارعنا ملامح النظام والانضباط التي كانت دوماً عنواناً لحضارة البحرين وإنسانها.