في وقت مبكر جداً من الصباح تستيقظ لتبدأ مهامك اليومية، من أيقظك ليست أمك أو زوجتك، أو المنبه، ولا حتى تلك العصافير التي تبدأ يومها قبل الجميع، إنها إليكسا أو سيري، توقظك وتخبرك أن نومك لم يكن مريحاً، وتعطيك نسبة مئوية لجودة النوم، وتقترح عليك تأجيل مقابلة أو اجتماع لساعتين، وبعد أن استيقظت، طلبت منها سماع أغنية "طل من الليل وقال لي ضوي لي" لفيروز، ولأنها لم تكتفِ بإيقاظك وإنما قيّمت وضعك بالفعل، رفضت إسماعك الأغنية التي طلبت، واعتذرت منك لأن أغنيتك لا تتناسب وحالتك النفسية، واقترحت عليك مقطوعة موسيقية تتناسب ووضع دماغك في اللحظات الراهنة، لأن مؤشراتك الحيوية تدل على بعض التوتر في داخلك، وبالتأكيد ستخضع لها.
بعد أن انتهينا من مرحلة استيقاظك، وصلنا إلى مرحلة وقوفك أمام خزانة الملابس وحيرتك في أي الألوان أنسب لك هذا اليوم، وهنا وجهت كاميرا الهاتف إلى ملابسك، وفعلت تشات جي بي تي وبدأت بسؤاله عن أي الملابس ترتدي وبالطبع أجرى حواراً معك على أساسه اخترت بدلة معينة، ولكن عندما أردت اختيار ربطة العنق اعترض وذكر لك مجموعة من الأسباب المنطقية، فأظهرت له الانصياع التام، تحت شعار "أكيد أنا ما أفهم مثل الذكاء الاصطناعي"، توجهت بعدها إلى عملت وهناك لا تخطو خطوة بدونه فبعد أن كتب لك كل بريدك الإلكتروني وأعد لك كل التقارير المطلوبة منك، بدأت تسأله عن كل صغيرة وكبيرة حتى عن كيفية التصرف عندما يوجه لك طلباً أو استفساراً رسمياً، وماذا تفعل وكيف ترد، وما أن تعود إلى البيت وتفكر في إعداد طبق الغداء، سرعان من تستنجد بالذكاء الاصطناعي، وبدوره سيحول المطبخ إلى مختبر للكيمياء، وسيحذرك من عدد من المواد الغذائية والأكلات، ويذكرك بهدفك المتمثل بإنقاص وزنك، ويعطيك مجموعة من الوصفات لأكلات سبق لك إعدادها، لكنه قدمها لك بطريقة إعداد مختلفة ومع معرفتك بها إلا أنك تحاول إعدادها بطريقته لا بطريقتك، وبعد الأكل فكرت في لحظات استرخاء ومراجعة ما جرى في يومك، وعندما شعرت بحاجتك للحديث مع صديق بدأت حواراً كلامياً مع تشات جي بي تي، وحدثته عن علاقاتك وما جرى لك في العمل ومع المجتمع وبدأ هو يحلل وضعك ووضع غيرك ويقدم لك النصائح، وكلما طال الحوار بينك وبينه أو زادت عدد المرات، تبدأ الخوارزميات تتعامل معك على أنها شخصية بروح ومشاعر، ومع كثرة حديثك معه يعرفك أكثر من أمك ونفسك، ويبدأ يفكر لك، وتمعن أنت في الاتكاء عليه في كل شيء، وهنا سيري أو أليكسا أوتشات جي بي تي، يتجاوزون وضع المساعد الذي يعمل بالذكاء الاصطناعي إلى وضع المدير والمخطط لحياتك والمسيطر عليها، وبدلا من كونهم مساعدين يتحولون إلى سادة مطاعين، وما عليك إلا التنفيذ.
ما ذكرته ليس مبالغة، فكثير منا وصل هذه المرحلة في التعامل مع الذكاء الاصطناعي، بل هناك من تجاوز هذا الحد بكثير، والسؤال المهم هنا، هل سنعيش حياتنا فعلاً إذا كنا نتعامل مع الذكاء الاصطناعي بهذه الطريقة؟ أم سنتحول إلى مملوكين يتحكم الذكاء الاصطناعي بنا، من الرائع جداً أن نستخدم الذكاء الاصطناعي في كل شيء في حياتنا طالما كان في حدود المساعد، لكن الحذر أن نغفل فيتحول في فترة وجيزة إلى سيد مطاع.
* عميد كلية القانون – الجامعة الخليجية