في لحظة سياسية مشبعة بالتعقيد، تنفجر المواجهة العلنية بين إسرائيل وإيران على أكثر من جبهة، ويتحول الاشتباك من حرب الظل الاستخباراتية إلى ضربات صاروخية وتصعيد عسكري مباشر. لا يبدو المشهد مستغرباً، إذ إن العداء بين الطرفين ليس وليد الأمس، لكنه في هذه المرحلة يفرض سؤالاً ملحاً على المراقب العربي: هل علينا أن نفرح لما يحدث بين دولتين تحمل كل منهما مشروعاً خطيراً؟ أم أن المنطقة كلها مطالبة بالقلق من الانعكاسات؟
إسرائيل، كقوة احتلال لا تزال تمارس أبشع أشكال العدوان والاضطهاد ضد الشعب الفلسطيني، ارتكبت خلال الشهور الماضية مجازر ممنهجة في غزة، وأسقطت آلاف الشهداء جلّهم من المدنيين.
لا تزال الدولة الوحيدة في العالم التي تُبقي على احتلال رسمي لدولة معترف بها، وتمارس تطهيراً عرقياً ممنهجاً، وتمتلك ترسانة نووية خارج أي رقابة دولية. في نظر ملايين العرب والمسلمين، لا تحتاج إسرائيل إلى تبرير جديد لتكون في دائرة الإدانة.
في المقابل، لا تأتي إيران بمشروع أكثر اعتدالاً، فهي قوة توسعية تغذّي ميليشيات مسلحة في أكثر من دولة عربية، وتستخدم العقيدة الطائفية كسلاح سياسي، وتورطت في دعم جماعات متطرفة وتسهيل تهريب الأسلحة، وتشكل تهديداً صريحاً للسلم الإقليمي من العراق إلى اليمن، مروراً بسوريا ولبنان. لا تتردد طهران في اختطاف دولٍ بأكملها من خلال أدوات غير شرعية.
إذاً، كيف نتعامل مع حرب بين قوتين تشكل كل منهما تهديداً مختلفاً للأمن والاستقرار؟ من جهة، نشهد صداماً قد يُضعف المنظومة الأمنية والعسكرية لإسرائيل، التي ما زالت ترتكب جرائم حرب بغطاء دولي غربي.
ومن جهة أخرى، نحن أمام احتمال تمكين المزيد من التمدد الإيراني، وتغذية الخطاب الطائفي والكراهية، وتمكين أذرع متطرفة تستغل الفوضى لتوسيع نفوذها.
المفارقة أن الحرب لا تُخاض على أراضي الطرفين فقط، بل تتوسع في ساحات الآخرين: سوريا، لبنان، العراق، وربما الخليج. والخاسر الأكبر، كما جرت العادة، ليس طهران ولا تل أبيب، بل الشعوب المستضعفة، والأنظمة التي تحاول الحفاظ على سيادتها واستقرارها وسط النيران المتقاطعة.
حجر الزاوية
في هذا المشهد المضطرب، لسنا أمام صراع بين حق وباطل، بل أمام تصادم بين مشروعين يحمل كل منهما تهديداً مختلفاً للمنطقة: مشروع احتلالي استيطاني تمثله إسرائيل، وآخر توسعي أيديولوجي تتبناه إيران.
كلا الطرفين لا ينشدان الأمن الإقليمي، بل يوظفان النزاعات لتعزيز نفوذهما على حساب استقرار الشعوب.
وهنا يكمن حجر الزاوية في الموقف العربي: الوعي بخطورة الانجرار خلف أوهام النصر الزائف لأي من الطرفين، والعمل على صياغة موقف مستقل يحمي المصالح الوطنية، ويعزز مناعة المنطقة في وجه كل من يسعى لاختراقها تحت شعارات طائفية أو أمنية.
فالانحياز الذكي ليس لمن يطلق أكثر صواريخ، بل لمن يحصّن شعبه من أن يكون وقوداً في حرب لا ناقة له فيها ولا جمل.