في زمن الضجيج والصواريخ التي تعبر السماء، وتحت دخان الحروب الصاخبة شرقاً بين طهران وتل أبيب، ينسى كثيرون أن هناك حرباً أخرى لا تُرى ولا تُسمع.. لكنها تُشعر.
حرباً تنخر في الجبهة الداخلية لا بالرصاص، بل بالشبهات. تنفث سمّها في تغريدة، وتزرع فتنتها في مقطع قصير، وتفتت الثقة بين المواطن ودولته باسم حرية التعبير.
هذه الحرب، التي يسميها الخبراء «الحرب الرمادية»، لم تكن غائبة عن وعي البحرين. بل كانت حاضرة في ذهن القيادة، وفي جدول أمنها الوطني، وفي بوصلة رجل أمن لا يرفع الشعارات، بل يصنع الوقائع: معالي الفريق أول معالي الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة وزير الداخلية.
منذ اليوم الأول لتصاعد التوتر الإقليمي، قرأت البحرين الحدث بعين استباقية لا انفعالية. لم تنجرّ وراء ردود الفعل، بل رسمت مساراً وطنياً يُحصّن الداخل، قبل أن يشتعل الخارج.
العدو هذه المرة لم يكن طائرة مسيّرة أو خلية نائمة، بل كان كلمة مسمومة، وصورة مُحرفة، وتعليقاً يُبذر الشك في النفوس.
وهنا.. أدار معالي الوزير المعركة: معركة الوعي.
قاد جهازاً أمنياً يراقب ويكشف المصدر ويعالج الأثر. رفع منسوب الحذر الوطني بصمت، وجعل من الثقة الوطنية جداراً صدّ فيه الهجمات الناعمة التي أرادت للبحرين أن تشكّ في نفسها.
فقد أدركت الإدارة العامة للإعلام والثقافة الأمنية بوزارة الداخلية وإدارة مكافحة الجرائم الإلكترونية – إن الحروب الحديثة لا تُخاض بالجيوش فقط، بل بمنصات رقمية تُدار من الخارج، وأحياناً من داخل الجيوب. إن الطابور الخامس لا يحتاج إلى سلاح، بل إلى متابعين.. وأن النصر في هذا النوع من المعارك لا يتحقق إلا بتحالف بين الدولة والمواطن، بين القانون والوعي، بين القيادة والرأي العام.
ولم تكن المعركة على مواقع التواصل أقل حدة من تلك التي تدور في ساحات القتال. لكن البحرين لم تتراجع، بل واجهت بخطاب عقلاني، ورؤية أمنية تتقن التفريق بين النقد والبتر، بين التعبير والتحريض، وبين حرية الكلمة واستغلالها.
لم يكن تميّز البحرين في صدّ الهجمات فحسب، بل في استباقها. أطلقت حملات توعية، دعمت الإعلام الوطني، ومكّنت المواطن من أن يكون جزءاً من الأمن لا متلقياً له. فلا شيء يُربك العدو أكثر من وعي شعبي موحد.
حجر الزاوية
في زمن لم تعد فيه الجغرافيا هي التي تحمي، بل الأفكار. ولم تعد الحدود تُرسم بالأسلاك، بل بالعقول. أثبتت البحرين أن القيادة الواعية هي حجر الزاوية في صيانة الأوطان.
ليست الحرب اليوم كما كانت، والمدفع لم يعد سيد الميدان. في عام 2025، أصبحت معركة الهوية، والثقة، والوعي هي خط الدفاع الأول، والوزير الذي اختار أن يقود بصمت، إنما صنع الفرق بعقله.
البحرين، الصغيرة في مساحتها، الكبيرة في استراتيجيتها، خاضت معركة من نوع آخر..
معركة لا يرى العدو فيها، لكن يرى أثره، ويُدرك أن أمامه شعباً واعياً، ودولة لا تُخترق من الداخل.
هذه ليست مجرد سياسة أمنية..
هذه قيمة وطنية تُعلّم الجميع أن «الأمن» في زمننا، هو وعي لا يُخترق، وجدار لا يُسقط.