سلمان ناصر
في البحرين، ثمة من يعيش على زمنٍ لم يعد موجوداً. كأنهم يتحدثون مع الماضي كما لو كان حاضراً، ويكتبون بياناتهم وكأن العقدين الأخيرين لم يمرا. هم يختارون أن يروا البلاد بعينٍ عمياء عن كل ما تحقق: برلمان بصلاحيات أوسع، منظومة رقابية أقوى، أجهزة أمنية تعمل بمبدأ حماية الجميع دون تمييز، واستراتيجية وطنية أغلقت الأبواب أمام التطرف والطائفية.
هذه الفئة لا تتحرك إلا في مواسم محددة، غالباً ما ترتبط بمناسبات دينية أو أحداث اجتماعية، ليعيدوا تدوير ذات الخطاب، بنفس النبرة، وبنفس القوالب التي عفا عليها الزمن. لا يعترفون ببرنامج وطني طور التشريعات، ولا بسياسات حكومية جعلت الشفافية جزءاً من البنية الإدارية، ولا بخطوات جريئة حصنت المجتمع ضد الانقسام. وكأنهم يجدون في الإنكار ملاذاً مريحاً يحميهم من مواجهة الواقع الجديد.
اليوم، البحرين ليست تلك الصورة التي يرسمونها على منصاتهم، أو في مقالاتهم، بل هي فسيفساء معقدة من الإصلاحات والتجارب.
من المساجد والكنائس والمعابد التي تمارس طقوسها بأمان، ومن المؤسسات الرسمية التي تخضع للمساءلة إلى المبادرات الشعبية التي تعزز التماسك الاجتماعي. ومع ذلك، يصر هؤلاء على اختيار الصورة التي بمخيلتهم، لأنها تناسب رواياتهم الجاهزة أكثر من أي حقيقة على الأرض.
يعرف هؤلاء أن البحرين لم تعد ملعبًا للفوضى، لكن الاعتراف بذلك يسقط حججهم التي قامت عليها تجارتهم السياسية. فالبلاد وجدت معادلة نادرة في المنطقة: أمن لا يخنق الحرية، وحرية لا تهدد الاستقرار، وانفتاح لا ينسف الهوية. معادلة كهذه لا يمكن استيعابها في خطابهم الذي يقوم على فكرة «إما نحن أو الفوضى».
الأدهى أن هذه الحملات لا تقتصر على التشويه الخارجي، بل تحاول زرع الشك في عقول الشباب، باستدعاء أحداث من الماضي وطمس التحولات التي جرت على الأرض. إنها محاولة لإبقاء الذاكرة الجمعية أسيرة لحظة صراع، بدلاً من فتح صفحة جديدة تُبنى على ما تحقق.لقد اختارت البحرين أن تواجه التطرف بخطاب وطني جامع، وأن تضع مكافحة الطائفية في صلب سياساتها، وأن تمنح كل مواطن ومقيم الحق في العيش تحت مظلة قانون واحد. وهذه ليست شعارات، بل حقائق يمكن لمسها في حياة الناس اليومية، وفي طبيعة العلاقات بين المكونات المجتمعية.
حجر الزاويةفي المشهد البحريني الراهن، حجر الزاوية هو إدراك أن الديمقراطية لا تُقاس بعدد الخطب، بل بقدرة المجتمع على إدارة اختلافاته تحت سقف واحد. وأن الأمن ليس قبضة، بل شبكة أمان تحمي الجميع. وأن الشفافية ليست مطلباً موسمياً، بل ممارسة يومية متجذرة. هذا الفهم هو ما يجعل البحرين تسير بثبات، ويجعل أولئك العالقين في الماضي يزدادون ارتباكاً كلما تقدم الحاضر خطوة إلى الأمام.