في ليلة بحرينية عادية، تجتمع العائلة حول كنبة أثارت نقاشاً منذ أسبوعين. اللون؟ بين الرمادي "الراقي” والرمادي "الأكثر رقياً” يضيع القرار. الأب يفتح النظارة الذكية ويقول بثقة المنتصر: خلّونا نجرب الواقع الممتد (Extended Reality – XR). فجأة، تظهر الكنبة الافتراضية وسط الصالة، وتستدير بأناقة، وتتدلّع تحت ضوء المصابيح. الأم تجرّب خامات مختلفة، والابن يغيّر المقاس بضغطة، والبنت تضيف بساطاً شرقياً من سوق المنامة.. افتراضياً طبعاً. ضغطة أخرى فيطيرهم التطبيق إلى «نسخة» من البيت وقت الغبار، ليتأكدوا أن اللون ما يصير كئيباً. في لحظة خفيفة، تكتشف العائلة أن الكنبة الافتراضية أجمل من الحساب البنكي الحقيقي، فيعود النقاش إلى الواقع.

الواقع الممتد ليس سحراً، بل طريقة لربط الأشياء الرقمية بمكاننا الحقيقي. تلبس نظارة أو ترفع هاتفك، فتقف الكلمات والصور والأجسام الثلاثية أمامك، تتفاعل مع الجدار والطاولة والإنارة وكأنها من أساس البيت. التقنية تعيدنا إلى حواسنا: نمشي وسط المعلومات بدل ما نقرأها فقط. وهي تفتح شهية الحكاية: الطالب يدخل حصة علوم في "رحلة” داخل الرئة عبر الواقع الافتراضي (Virtual Reality – VR)، والمتدرّب في مصنع يتعلم الصيانة على نموذج وهمي قبل ما يلمس جهازاً واحداً من خلال المحاكاة التدريبية (Simulation Training)، والسائح يقف عند قلعة البحرين ويشهد طبقات التاريخ تُعاد أمامه، الأسواق القديمة تصحو بدكانها وروائحها وطرقاتها؛ أثر، لا مجرد صورة.

لو أردنا فائدة عملية مباشرة في البحرين، فالتعليم أولاً: درس جغرافيا يحوّل الخريطة إلى تضاريس تمشي عليها، ودرس تاريخ يُعيد بناء المحرّق القديمة طبقة طبقة. في الصحة، علاج طبيعي يضع تمارين المريض كأشكال تتحرك أمامه في الصالة، ويلتقط التطبيق أداءه ويصححه. في التدريب المهني، مسارات محاكاة للسلامة في مواقع العمل، من غير مخاطرة ولا إيقاف خطوط الإنتاج. وفي السياحة، جولات لؤلؤية تمنحنا "خطّاً” بصرياً يقود الزائر بين البيوت والأزقة، مع قصص مسموعة تظهر تلقائياً حين يمر بجانب باب قديم. حتى التسوق يتغير: طبق الهريس يظهر ثلاثي الأبعاد على الطاولة قبل الطلب، مع السعر والسعرات ونصيحة لطيفة: «فكّر مرتين».

طبعًا، لكل حلاوة ملاحظات. بعض الناس تصيبهم دوخة الحركة، وبعض الأجهزة ترصد غرفتنا بدقة تثير أسئلة عن الخصوصية: أين تذهب صور بيتنا؟ ومن يضمن أن ابننا لن يقضي يومه في العالم البديل وينسى واجباته؟ الجواب ليس التهوين ولا التهويل، بل قواعد واضحة: دليل وطني لاستخدام الواقع الممتد في المدارس، يحدد مدة الاستخدام، وأنواع المحتوى، وآليات حماية البيانات. ونحتاج معيارًا للقطاع السياحي يضمن دقة السرد التاريخي، حتى لا يتحول الماضي إلى "فيلم أكشن”. ونحتاج حاضنة صغيرة تدعم شركات ناشئة تبني محتوى بحرينيًا أصيلًا: من حرفيي عالي إلى صناع السفن، تُحفظ المهارة في نماذج تفاعلية لا يطويها النسيان.

الفكرة ليست هروباً من الواقع، بل تقريب الواقع من خيالنا. نحن لا نستبدل زيارة القلعة بصورتها، بل نضع فوقها طبقة تشرح وتضيء وتُلهم. ومع قليل من ذكاء السياسات وكثير من خيال المبدعين، نستطيع أن نصنع نسخة بحرينية من الواقع الممتد: عملية، لطيفة، ومفيدة، تحترم ذوق العائلة وخصوصيتها مثلما تحترم تاريخ المكان وصدق الحكاية. في النهاية، يعود الأب للنظارة ليحسم قرار الكنبة. يختار لوناً وردياً فاتحاً، فتنبثق أمامه فاتورة بالتقسيط؛ ويبتسم كمن يقول: «إن شاء الله بعدين»، ويغلق الجهاز. هذا هو الواقع الممتد الحقيقي: يريك كل الاحتمالات.. ثم يذكّرك بلطف أن القرار، والميزانية، ما زالا في جيبك.

* خبير تقني