لو أن عبارة «غير متاح في منطقتك» تملك روحاً لابتسمت لنا هذه المرّة. ظهرت لي وأنا أحاول تجربة تطبيق خليجي جديد: هيوماين شات (HUMAIN Chat)، المتاح أولاً داخل السعودية فقط. مشهد معكوس عمّا اعتدناه من التطبيقات الأجنبية؛ منتج عربي يبدأ من ملعبه وبشروطه، ويقول بهدوء: «نطلق محلياً ثم نتوسع»، بدل أن ننتظر نحن بوابة الدخول العالمية. هذه اللمحة البسيطة تحمل وراءها فكرة أكبر: أن سباق الذكاء الاصطناعي لم يعد حكراً على وادي السيليكون، وأن لغتنا يمكن أن تكون مركز القصة لا هامشها.

«هيوماين شات» ليس نموذجاً للتجارب أو منصة للمطوّرين فحسب، بل تطبيق موجّه لعامة الناس على الويب وآي أو إس (iOS) وأندرويد (Android). يكلّمك بالعربية ولهجاتها، يستقبل صوتك كما تتحدث في البيت والسوق، ويبحث على الويب قبل الرد ليجلب المعلومة الطازجة. ويمكنه التبديل السلس بين العربية والإنجليزية في محادثة واحدة. والأهم أنّ تشغيله واستضافة البيانات يتمان محلياً داخل المملكة فيما يُعرف بـ«الذكاء السيادي»، أي ذكاء اصطناعي مبني ومستضاف محلياً لحماية البيانات وضمان الخصوصية. هذا يمنح المستخدم طمأنينة أكبر عند التعامل مع معلومات حسّاسة. حتى آلية الإطلاق جاءت مجانية وفي نطاق جغرافي محدود لضبط الجودة والتدرج في التوسع.

ولكي لا نظلم المشهد، المنطقة شهدت خطوات سبقت هذا التطبيق: جيس (Jais) قدّم نموذجاً مفتوحاً قوياً صار «محرّكاً» لمن يبني حلولاً مخصّصة، وفالكون أرابيك (Falcon Arabic) جاء صغير الحجم قوي الأداء مع نافذة سياق واسعة تشجّع التطبيقات العملية، وفَنَر (Fanar) طرح حزمة تطبيقات عملية مع استرجاعٍ للمصادر وصوتٍ يفهم اللهجات. هذه كلّها تشبه المحركات وقطع الغيار لمن يملك الورشة؛ أمّا هيوماين شات فهو السيارة الجاهزة بالمفتاح في جيب المستخدم.

يبقى السؤال المشوّق: هل يفاجئنا «عملاق المنطقة»؟ لدى السعودية عوامل قوة يصعب تجاهلها: طاقة منخفضة الكلفة، شهية استثمارية كبيرة، مراكز بيانات تتكاثر بسرعة، وشراكات تقنية عميقة مع شركات عالمية. حين تجتمع هذه العناصر مع منتجٍ عربي صُمّم للناس لا للمختبرات، تتبدّل معادلة المنافسة من «من يملك النموذج الأكبر؟» إلى «من الأقرب إلى نبض حياتي اليومية؟». هنا قد يكون التفوّق ليس في عدد المعالجات، بل في بساطة التجربة وصدق اللغة.

ولنختبر الفكرة بواقعية، هناك ثلاثة أسئلة سريعة تصلح ميزاناً لأي مساعد عربي قادم: أولاً، الفهم: هل يستوعب طلب «أبي برنامج الخميس والجمعة» من السياق العائلي لا من قاموس جامد؟ ثانياً، الثقة: هل يوضح أين تُخزَّن بياناتك؟ وهل يتيح وضعاً آمناً للاستخدام المؤسسي؟ ثالثاً، الفائدة: هل يلخّص تعميماً طويلاً بلغة واضحة، وينظّم بريدك، ويحوّل محادثة واتساب إلى نقاط عمل مرتّبة؟ إن نجح في هذه الثلاث، فلن نعود نهتم بحجم النموذج بقدر اهتمامنا بما يقدّمه في يومنا.

الخلاصة ليست مديحاً مجانياً ولا تهويلاً. «هيوماين شات» خطوة مهمة تستحق المتابعة؛ لأنه يخاطب المستخدم مباشرة، بلغته وثقافته، ويعمل على بنيةٍ محلية تعطي طمأنينة أعلى عند دمجه في الأنظمة الحسّاسة، من التعليم إلى الصحة إلى الخدمات العامة. هذه الإضافة مهمّة حتى لمن يرى أن «كل البرامج صارت بالعربي»؛ الفرق أن هذا نظام «من عندنا» لا «نسخة مترجمة»، ما يجعله أقرب لفكرة الأمن الوطني وسلامة البيانات. وحين تومض مجدداً عبارة «الخدمة غير متاحة في منطقتك»، قد نبتسم مرّة أخرى، لكن هذه المرة بفخرٍ هادئ: جميل أن يكون لدينا تطبيق خليجي يقول: سنبدأ من هنا ثم نصل إليكم.* خبير تقني