بين سبتٍ وسبتٍ تتبدّل ملامح المشهد عندنا بالمنطقة. أنهينا الشهر الماضي حديثنا عن إطلاق «هيوماين شات» بوصفه أول إشارة عملية على أن منطقتنا تريد ذكاءً اصطناعيًا «من عندنا»، يبدأ محليًا بمبدأ sovereign AI (الذكاء السيادي)، أي ذكاء اصطناعي مبني ومستضاف محلياً لحماية البيانات وضمان الخصوصية، ثم يتوسع بثقة. واليوم تكتسب الصورة بُعداً جديداً من جارتنا أبوظبي: من بين مئة شخصية عالمية في قائمة «تايم 100 للذكاء الاصطناعي 2025»، يظهر اسم خليجي وحيد ضمن فئة Shapers (المُشكِّلون): سمو الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان.
القائمة نفسها ليست عابرة؛ فهي واحدة من أبرز التصنيفات العالمية التي تجمع بين أقوى الأسماء: من إيلون ماسك مؤسس xAI، إلى سام ألتمان الرئيس التنفيذي لـOpenAI، إلى مارك زوكربيرغ مؤسس Meta، وجنسن هوانغ قائد NVIDIA. أن يُذكر اسم خليجي وسط هذه الأسماء يعني أن المنطقة أصبحت جزءًا من الحوار العالمي لا مجرد متابع له.
اختيار سمو الشيخ طحنون لا يوزّع ميداليات؛ هو يرفع السقف ويشرح عمليًا معنى «المُشكِّلين»: هم الذين يرسمون قواعد اللعبة ويهيئون الملعب من تشريعات، تحالفات، تمويل، وبنى تحتية حتى تصبح التقنيات قابلة للتطبيق في حياة الناس. وهذا بالضبط ما يعبّر عنه حضور سمو الشيخ طحنون عبر G42: شراكات ثقيلة مع مايكروسوفت ومشروعات حوسبة عملاقة مثل Condor Galaxy؛ ليس المهم عدّ إكسا-فلوبس (وحدة لسرعة الحواسيب العملاقة)، بل أن تصلنا خدمة أسرع، تبقى بياناتنا داخل المنطقة، وتُقدَّم حلول تفهم سياقنا ولهجتنا. الرسالة بسيطة: لسنا «مستهلكين متحمّسين»، بل «صانعين للملعب» الذي تُلعب عليه المباراة.
وبجانب هذا الدور «المُشكِّل»، يبرز من الرياض مسارٌ مكمّل يقوده طارق أمين المدرج في فئة Innovators (المبتكرون) — الذين يحوّلون الرؤى إلى منتجات في يد الناس: يصمّمون، يختبرون، ثم يطلقون ما يعمل اليوم لا غداً — بصفته الرئيس التنفيذي لشركة HUMAIN. السعودية ممثَّلة عبر شركتها ومنتجها، والإمارات ممثَّلة عبر شخصيتها ومؤسستها؛ هكذا يتوزع العمل بذكاء: من يجهّز المضمار ومن يطلق العداء. والنتيجة مصلحة مشتركة تشمل الجميع: منتجات أقرب لاحتياجاتنا، وبيئة تنظيمية تجعل اعتماد الذكاء الاصطناعي في المدارس والمستشفيات والقطاع الخاص قرارًا مطمئنًا لا مغامرة.
يبقى السؤال: كيف نستفيد نحن كمنطقة من هذا الزخم؟ هل سنرى «مختبراً تشريعياً» خليجياً يختبر الأدوات قبل تعميمها؟ هل يمكن أن نمتلك «مكتبة بيانات» تشبه واقعنا بدل استيراد بيانات غريبة؟ هل سنضع سياسات شراء تشجع على الحلول الإقليمية، ونخلق برامج تدريبية تجعل الموظف يعرف كيف يطلب من الأداة وكيف يحاسبها؟ هذه ليست أحلاماً بعيدة، بل أسئلة تستحق أن نطرحها اليوم، قبل أن تُفرض علينا الأجوبة من الخارج.
القصة إذن ليست «من يملك النموذج الأكبر»، بل «من الأقرب لحياة الناس». وجود سمو الشيخ طحنون بين المُشكِّلين يضع حجر الأساس للبنية، ووجود طارق أمين بين المبتكرين يضع العجلات على الطريق. وبين هذا وذاك، نحن جميعًا نملك فرصة ذهبية: أن نحوّل الذكاء الاصطناعي من خبر عالمي إلى منفعة يومية، من فكرة مبهرة إلى عادة نافعة. فلنلتقط اللحظة، ونطلب من أدواتنا نتائج تُشبهنا، ونبني سياسات تحمي خصوصيتنا وتفتح الباب للابتكار. عندها يصبح الإنجاز إنجاز الكل، ويغدو الطريق إلى المستقبل أقصر مما نظن.* خبير تقني