في عالم السياسة، يتخيّل البعض أن عمل السفراء محصور بين جدران المكاتب المغلقة وموائد المفاوضات الرسمية. لكن الحقيقة أن الدبلوماسية الحقيقية لا تكتمل إلا حين تتجاوز الملفات السياسية لتصل إلى قلوب الناس، فالسفير الناجح هو الذي يدرك أن رسالته أوسع من التمثيل الرسمي، وأن دوره هو ترسيخ الروابط الاجتماعية والثقافية بين الشعوب، ليكون صوت بلاده ورسول قيمها في الخارج.

لقد أثبت التاريخ أن العلاقات بين الدول لا تُبنى فقط بالاتفاقيات والمعاهدات، بل بالثقة المتبادلة التي تُولد من التفاعل الإنساني، وبالمعرفة التي تنقلها اللقاءات الودية، وبالاحترام الذي يترسّخ حين يتقارب الناس ويتشاركون تجاربهم وقيمهم. وهنا يتجلى البعد الإنساني للعمل الدبلوماسي، ذلك البعد الذي يترك أثراً طويل الأمد يفوق أثر أي توقيع رسمي.

ومن هذا المنطلق، كانت سفارات المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي في مختلف أنحاء العالم منارات دبلوماسية حقيقية، لا تكتفي بحماية المصالح السياسية، بل تنشر ثقافة الخليج وقيمه الاجتماعية الأصيلة، والمتتبع لنشاطات السفارات السعودية على وجه الخصوص، يُدرك أن البيت السعودي والكرم السعودي حاضر في كل سفارة، من خلال اللقاءات ومآدب الكرم التي يقيمها السفراء، والتي تتحول إلى منصات للتقارب ولحمة اجتماعية تعكس صورة مشرقة عن قيم المملكة وأهلها.

ويجسّد سعادة السفير نايف بن بندر السديري، سفير خادم الحرمين الشريفين لدى مملكة البحرين، هذا النهج بأبهى صورة. فمنذ وصوله إلى المنامة في فبراير 2025، حرص على أن يكون حضوره مزيجاً بين العمل الدبلوماسي الراقي والانفتاح الاجتماعي الصادق. استضاف لقاءات ومناسبات جمعت مسؤولين وشخصيات ثقافية وإعلامية، وشارك في الفعاليات الوطنية البحرينية، مؤكّداً أن العلاقات بين البلدين الشقيقين ليست مجرد تعاون سياسي، بل أخوّة ضاربة في الجذور ومصير مشترك.

همسة

إن ما يقوم به السفير السديري في البحرين يبرهن أن الدبلوماسية ليست مجرد مهنة، بل رسالة تبدأ من الإنسان، وتبني الجسور بين الشعوب، وتزرع المودة قبل أن تحصد النتائج. والعلاقات بين المملكة العربية السعودية ومملكة البحرين، منذ تأسيس الدولتين، قائمة على روابط الدم والنسب والمصاهرة، قبل أي مظلة سياسية أو حدود جغرافية، وهو ما يجعلها نموذجاً فريداً للأخوّة الصادقة التي تصمد أمام كل المتغيرات.