استوقفتني تغريدة لسعادة السيد عيسى الحمادي، مستشار شؤون الإعلام بديوان سمو ولي العهد، حين صوّر بدقة مشهداً بات مألوفاً في فضائنا الإعلامي:

«هي ظاهرةٌ تستحق المراجعة مرتين، فهو يحفظ كلمتين، ويضع كرسيين، ويوفر سماعتين، ويموقع كامرتين، ثم ينشر فيديوهين، ويدفع لإعلانيْن، بمحتوى مكررٍ ضعيفٍ لا يحصد من العشرة سوى علامتين، ‏كل ذلك ليقول: "أنا هنا، أنا الظاهرة الإعلامية”، فصفقوا لي وقوفًا على القدمين.‏ غير أنّ الضجيج لا يصنع قيمة، ولا الصدى يعلو على صوت الإعلام الهادف، الصادق، ذو العمق المبين.» انتهت التغريدة.

هذه الكلمات ليست مجرد وصف لحالة، بل دعوة للتفكر في جوهر الإعلام ومعنى أن يُنسب لإنسان لقب "إعلامي”، فهذا المسمى ليس اسماً عابراً، ولا صفةً يتزين بها من يلهث وراء الترندات، هذا الوصف في جوهره مسؤولية تاريخية وأخلاقية، لأنه يعني الانتماء إلى مهنة ارتبطت عبر العصور بدور مركزي: أن تكون السلطة الرابعة التي تراقب وتوجه وتبني وعي الشعوب. الإعلامي الحق هو من يتعامل مع الكلمة كأمانة، ومع الصورة كرسالة، ومع المعلومة كحق للجمهور، لا كبضاعة سريعة للاستهلاك.

ولعل الخطر الأكبر اليوم يكمن في الخلط بين الشهرة الإعلامية والمصداقية الإعلامية. فالأولى تُنال بمطاردة الترندات أو خلق الضجيج اللحظي، أما الثانية فتُبنى بالصدق والعمق والاستمرارية. الشهرة قد ترفع اسماً مؤقتاً، لكن المصداقية وحدها هي التي تصنع إرثاً وتأثيراً في وجدان المجتمع.

إن البحرين، مثل غيرها من الدول، وفرت بيئة إعلامية متوازنة، ومناخاً داعماً للحريات المسؤولة. غير أن هذا المناخ، مهما كان سليماً، لا قيمة له إن لم ينهض الإعلاميون إلى مستوى أمانة الكلمة، فالترندات تمضي، لكن الرسالة تبقى؛ والاستعراض يخبو، لكن الوعي يتجذر، فالإعلام ليس أرقاماً ولا متابعين ولا مقاطع متكررة؛ إنه مسؤولية كبرى، وممارسة أخلاقية، وسلطة رابعة تؤثر في السياسة والاقتصاد والمجتمع. ومن يتشرف بلقب "إعلامي” لا بد أن يعي أن هذا اللقب يعني أن يكون ضميراً ناطقاً باسم الحقيقة، وحارساً لهوية المجتمع، وصوتاً لقيمه.

همسة

إلى الأحبة في ساحة الإعلام.. اختر لنفسك المسار الذي يشبهك ويشبه القيم التي تربيت عليها.. فمن يجعل الإعلام منبراً ورسالة يخلد أثره وذكره.. ومن يجري خلف التراندات والأرقام يلمع لحظة ويخسر أثره..