في خطوة استباقية تنمّ عن وعي أمني وثقافي، جاءت الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها وزارة الداخلية في البحرين لتضع حداً للتمدد العشوائي لظاهرة ما يُعرف بـ»علم الطاقة»، تلك الموجة الفكرية الناعمة التي تتخفى تحت عباءة التنمية الذاتية، بينما تستهدف تفكيك القيم والثوابت من الداخل.
ما كان يُروج له كعلم بديل، تبيّن أنه مشروع اختراق فكري ناعم، يتسلل إلى القلوب والعقول تحت مسميات براقة، ليفكك الإيمان بالله، ويضعف الانتماء، ويزرع الفوضى في المجتمعات. ما يبدو على السطح خطاباً إنسانياً لتحسين الذات، يخفي في جوهره طعناً صامتاً في العقيدة. مروجو «التحرر الطاقي» يستبدلون التوحيد بالدعاء بالنوايا، والإيمان بالذبذبات، ويعيدون تشكيل الوعي على قاعدة خرافية لا دينية ولا علمية.
أُنتج خطاب هجين: لا يعترف بالحقيقة، ولا يقف على أرضية العلم، بل يُموه ذاته بمفردات الحداثة، ليُقنع المستهدفين أن الخلاص لا يأتي من الله، ولا من منظومة القيم، بل من دورات تدريبية باهظة وشهادات غير معتمدة.
من يمول هذا العبث؟
وراء هذه الظاهرة شبكة تمويل وتسويق دولية تُغذيها مؤسسات ومراكز تتقن تسويق الجهل المغلف بالحكمة.
تمويلات غربية تُغدق تحت شعار «تطوير الذات»، في حين أن الجوهر هو نزع الهوية، وإزاحة الإيمان، وتحويل الفرد من مواطن مسؤول إلى مستهلك تائه.
والمقلق أن الصمت المؤسسي -في بعض الحالات- وفّر مظلة لهذا التيار ليتسلل إلى المدارس والجامعات والمنصات، دون رقابة أو محاسبة.
- الحرية بلا حدود تؤدي إلى الانهيار:
الحرية الحقيقية تُبنى على الثوابت، لا على نسفها.
لكننا نرى اليوم خطاباً يُقنع المرأة أن أسرتها عبءٌ طاقي، والرجل أن دينه تردّد سلبي، والمجتمع أن قيمه «مُعيقة للوعي».
فيُفصل الإنسان عن أسرته، ودينه، ووطنه، ليبقى وحده في مواجهة عالم لا معنى له... يبحث عن إجابات في التأمل واليوغا بدل أن يجدها في اليقين والإيمان.
المروّجون لا يهاجمون القيم صراحة، بل يلتفون حولها بمصطلحات ساحرة: «حب الذات»، «رفع الذبذبات»، «داخل جسد الإنسان مركز طاقة»، «التحرر من القيود العقلية والدينية والاجتماعية».
إنه خطاب يلغى فيه الصواب والخطأ، وتُفكّك فيه الثنائيات الكبرى، ليصبح كل شيء نسبياً، وكل إيمان موضع شك، وكل يقين قابلاً لإعادة التشكيل.
في ظل هذا المناخ، تُسجل وزارة الداخلية في البحرين موقفاً وطنياً متقدّماً، حين تصدّت بحزم لهذه الأنشطة، ووضعت حدوداً واضحة لما يُطرح من أفكار تؤثر في الأمن الفكري والاجتماعي.
هي رسالة بأن الدولة ليست غافلة، وأن الانفتاح لا يعني الفوضى، وأن حرية التعبير لا تشمل العبث بالمقدسات أو المتاجرة بوعي الناس.
حجر الزاوية
الخطر الحقيقي لا يكمن في انتشار «علم الطاقة»، بل في غياب الرد المؤسسي عليها.
حين تغيب الرقابة، تنشط التجارة في الفراغ الروحي، ويُترك الجيل الجديد نهباً للتيارات المستوردة التي لا ترى في الإنسان سوى مشروع قابل للبرمجة.
لكن البحرين، بموقفها الأخير، تؤكد أن السيادة تبدأ من العقل، وأن حماية المواطن لا تتعلق فقط بالأمن الجسدي، بل بحماية روحه وعقله من التزييف.
ما قامت به وزارة الداخلية ليس فقط إجراءً إدارياً، بل موقفاً استراتيجياً، لأنه في زمن الضجيج، يصبح الصمت خيانة، والوضوح ضرورة، والقرار الصارم أداة بقاء.