بين الحين والآخر، تنتشر مقاطع فيديو واقعية في مناطق متفرقة من الدول العربية، إما لوالد طالب يتحدث فيه مع مدرس أو مدير مدرسة عن ابنه الذي لابد أن ينجح بأي شكل من الأشكال، وفي بعض المقاطع شاهدنا تهديداً من ولي الأمر للمدرسة، ويطلب صراحة مساعدتهم في هذا الأمر، فالأمر ليس خياراً، لأن «الولد» لا يتحمّل الفشل، ونفسيته ستتضرّر في حال عدم نجاحه، أو قد يرتبط ذلك الأمر بالطالب نفسه في أثناء حديثه مع أساتذته، حتى تشعر أن الأمر الذي نتحدث عنه محاولة انقلاب كشفت قبل أن تتمّ، وليس اختباراً لقياس معرفة الطالب، فبدل قياس المعرفة أصبحت قياساً لقوة تحمّل الأم للضغط العصبي والقلق، وقدرة الأب المالية لتحمّل نفقات المدرسين الخصوصيين.

الأصل في الاختبارات هي وسيلة للتقييم، لكنها في كثير من مجتمعاتنا ملحمة تاريخية، يسطّر فيها الأبطال مواقف الشجاعة والنصر، فما أن تدخل فترة الامتحانات حتى ويبدأ موسم الأزمات، فالأم والجدة في دعاء جماعي، وبعد الامتحان وعودة الطالب إلى البيت ينتقل الجميع إلى أستوديو تحليلي لتشريح الأسئلة وتقييم الإجابة، وفي حال وجود مدرس خصوصي فلا بد وأن يكون الطالب قد مر عليه، وأجرى له جلسة تقييمية لتقدير الموقف، ويمكن أن تستشف من الموقف أن الأمر ليس مجرد اختبار عادي، بل هو اختبار لشرف العائلة، فإن نجح الطالب يكون بذلك قد أنقذ شرف العائلة -بغض النظر كيف نجح حتى لو كان ذلك بالغش- وإن رسب يكون قد لوث سمعة العائلة التي كل أفرادها لم تنزل تقديراتهم عن (A) -حسب ادعائهم طبعاً- والحقيقة أن أخطر ما في هذه السلوكيات أنها تربي أبناءنا على أن النجاح يختزل في كونه ورقة وليس الحصول على مجموعة مهارات، ومن جانب آخر مازالت الكثير من الامتحانات تقيس قدرة الطالب على تذكر المعلومات، في الوقت الذي يصل فيه الطالب لمختلف أدوات الذكاء الاصطناعي في لحظات، بينما نحتاج فعلياً لقياس قدرة الطالب على النقد والمحاكاة الواقعية وتحليل المحتوى، وكيفية حل المشكلات، والقدرة على العمل في فريق، والقدرة على استخدام الأدوات الرقمية بفاعلية، والقدرة على الإقناع، ومستوى الذكاء العاطفي.

الأدهى أن بعضنا يحارب التكنولوجيا إذا دخلت إلى التعليم بدلاً من سعيه لتوظيفها للتعليم بكلّ الطرق والوسائل، ثم يشتكي من البطالة وهو يريد من التعليم أن يقدّم للطلبة كيف يحفظون بدلاً من تعليمهم كيف يحلّون، ينتظر الإبداع من طلبة علّمهم أن واجبهم الإجابة عن الأسئلة، في حين الإبداع يصدر عمّن يطرح الأسئلة، لذا يجب أن ننتقل من «اكتب ما تحفظ» إلى «أثبت ما تفكّر به»، فنحن بحاجة إلى جيل من المهارات وليس الشهادات.

* عميد كلية القانون – الجامعة الخليجية