- لا يوجد إنسان على وجه الأرض يخلو من المصائب أو الهموم، فالجميع مبتلى بشكلٍ أو بآخر، بعضنا يُصاب بكسرٍ في الجسد، وآخرون تُصيبهم كسورٌ في النفس، وأحياناً لا نحتاج سوى كلمةٍ طيبة من أحدٍ حولنا لتكون البلسم الذي يرمم ما انكسر فينا. فالكلمة الطيبة قادرة على أن تبعث النور في أكثر القلوب انطفاءً، وهي التي تُكمل الحياة وتنهض بها.
- ولن نخوض هنا في الجوانب السياسية أو الاقتصادية أو الرياضية، فكلها قائمة على اتفاقات وأساليب محددة، لكن البداية الحقيقية لأي إصلاح أو تواصل ناجح تبدأ دائماً بالكلمة التي تُجبر وتُصلح وتُهذب.
- كلمة «جبر» ليست مجرد ثلاثة أحرف، بل هي معنى عميق يرمز إلى ترميم ما تهدّم وانكسر. فمن الناحية الصحية، يُقال «جُبِر العظم» أي عاد كما كان بعد كسره. ومن الناحية الاجتماعية، نستخدم «الجبر» في مواضع العزاء والمواساة. ومن الناحية النفسية، نقول «جبر الخاطر» حين نسعى لتطييب قلبٍ مكسورٍ أو مهمومٍ بكلمة صادقة أو فعل كريم.
- ومع أن الجميع يعرف مبدأ «جبر الخواطر»، إلا أن القليل يطبقونه في وقته الصحيح. فليس كل إنسان يملك القدرة على مواساة الآخرين أو انتقاء الكلمات التي تُعين الموجوع وتُطمئن القلوب، وقد يكون من يجبر الخواطر هو نفسه في حاجةٍ إلى من يجبر خاطره. فالجبر شعور متبادل، يحتاجه الناس جميعًا دون استثناء.
- وليس «الجبر» مصطلحاً حديثاً أو فكرة عابرة، بل هو من أسماء الله الحسنى «الجبار»، الذي يُصلح الكسير ويُغني الفقير. كما أن «جبر الخواطر» عبادة خفية، أجرها عظيم عند الله، لأنها تصل إلى القلوب قبل الأبدان. وقد تناول العلماء والفقهاء هذا المفهوم لما فيه من رحمة وعدل وتكافل بين الناس.
- ولكل مهنة جانب من «جبر الخواطر» فالطبيب يجبر مرضاه قبل علاجهم، ورجل الأمن يراعي مشاعر المدعي قبل تنفيذ القانون، وصاحب القرار يبدأ كلمته بمواساة قبل الحكم. ومن يفتقد هذا المبدأ في حياته، يفتقد جزءاً من إنسانيته، فنحن في زمن تزداد فيه الحاجة إلى الكلمة الطيبة، وإلى جبر النفوس المنكسرة، لأن المؤمن مصاب دائمًا، ولكن جبر الله له لا ينقطع.
- إن «الجبر» نعمةٌ من رب العالمين، قد يُهديها الله لك على هيئة أشخاص يصلحون قلبك دون مقابل، فلا تستهِن بكلمة طيبة، فقد تكون سبباً في جبر خاطر مكسور، فكلمة واحدة تكسر الخاطر وأخرى تجبره، فاختر دوماً أن تكون من المجبرين.