في عالم تتسارع فيه التحديات الصحية والاجتماعية، يبقى الإنسان هو محور البناء الوطني ومرتكز النهضة. وفي مملكة البحرين، لم يأتِ الاهتمام بالإنسان من باب الواجب المؤسسي فقط، بل من قناعة راسخة بأن القانون الحقيقي هو الذي يحمل روح الرحمة ويقترب من احتياجات المواطنين، لا الذي يقف عند حدود النص الجامد.
وتجسّد الخدمات الطبية الملكية هذا النهج من خلال ما تقدمه من رعاية صحية متقدمة تستند إلى المهنية العالية بروح إنسانية أصيلة، لتشكل أحد أهم أركان منظومة العطاء الوطني التي تقوم على الكفاءة، والرحمة، واحترام كرامة المريض.
لكن اكتمال هذه المنظومة يتطلب شراكة واعية بين الدولة والمجتمع، حيث يصبح العمل الأهلي جزءاً من البناء الوطني، لا جهداً تطوعياً عابراً. وهنا يبرز دور المبادرات التي تخدم الفئات الأكثر احتياجاً، وتسد فجوات عملية تتجاوز قدرات المؤسسات الرسمية بحكم حجم الطلب وطبيعة الحالات.
ومن بين هذه المبادرات النموذجية تأتي مبادرة «مشاوير إنسانية»، المشروع يُعنى بنقل المرضى من كبار السن وذوي الإعاقة والحالات الصحية إلى مواعيدهم في المستشفيات الحكومية -ومنها المستشفى العسكري، ومستشفى الملك حمد الجامعي، ومركز محمد بن خليفة بن سلمان آل خليفة التخصصي للقلب، ومركز الشيخ عبدالله بن خالد- بشكل تطوعي.
وتشمل الحالات التي تُنقل مراجعي غسيل الكلى، ومرضى القلب، والعلاج الطبيعي، ومرضى السكري ومضاعفاته، ومنهم من يواجه تحديات كبيرة نتيجة بتر الأطراف أو ضعف الحركة.
هذه الخدمة تُقدَّم دون أي مقابل، في تجسيد واضح لمعنى المسؤولية المجتمعية، ودعماً لمسار الدولة في ضمان وصول العلاج إلى كل من يحتاجه.
وتأتي هذه المبادرة كمكمل حقيقي للجهود التي تبذلها الخدمات الطبية الملكية ووزارة الصحة متمثلة في المراكز الصحية في المملكة، بما يعزّز من قدرة المنظومة الصحية على تلبية الاحتياجات المتنامية، ويُظهر أن العمل الإنساني حين يُدار باحتراف يشكّل قوة دعم وطنية لا يمكن الاستغناء عنها.
حجر الزاوية
إن حجر الزاوية في مثل هذه المشاريع يكمن في الإيمان العميق بأن خدمة الإنسان ليست ترفاً اجتماعياً، بل مسؤولية وطنية مشتركة. ومن هنا، يستحق القائمون على مبادرة «مشاوير إنسانية» كل الشكر والتقدير، لما قدّموه من نموذج راقٍ يعكس روح البحرين المتجذرة في العطاء والتكافل.
غير أن الرسالة لا تكتمل بالشكر وحده، بل بدعوة مؤسسات المجتمع المدني، والجمعيات الوطنية، والجهات ذات المسؤولية الاجتماعية إلى تبنّي مشاريع مشابهة ترتقي بالعمل الأهلي من التقليدية المكررة إلى المبادرات العملية التي تلامس احتياجات المجتمع الحقيقية.
فالتحدي اليوم لم يعد في توفير نشاط، بل في توفير أثر، ولم يعد في تنظيم فعالية، بل في تقديم خدمة تُحدث تغييراً في حياة الإنسان، وتخفّف العبء عن الجهات الرسمية. فالمبادرات الوطنية ليست مكملاً لجهود الدولة، بل شريكاً أصيلاً في صياغة مستقبل أكثر رحمةً وإنسانيةً، حيث يصبح القانون إطاراً يخدم الإنسان، وتصبح القيم قاعدة تُبنى عليها القرارات والسياسات.