لم يعد مشهد الانتخابات في البحرين كما كان، فقد تغيّر الشارع، وتغيّر الناخب، وتغيّر السؤال من: «من سيفوز؟» إلى: «كيف سيخدم؟» و«بماذا سيقنع؟»، فالناخب البحريني اليوم لم تعد تكفيه الصور في المجالس، ولا وعود ترميم الشوارع، ولا الهدايا الموسمية، لقد أصبح الشارع البحريني من أكثر الشوارع وعياً وثقافة في المنطقة، قادراً على التمييز بين صورة تُنشر وخطة تُنفَّذ، وبين تقديم الوعود وصناعة الأثر.

وهنا يتضح الفارق بين مرشح يخوض الانتخابات بـ«اندفاع»، وآخر يدرك أنها مشروع متكامل يحتاج إلى دراسة وتخطيط، كما تفعل الشركات عندما تدخل سوقاً جديدة. فالمنافسة الانتخابية لم تعد مجرد حضورٍ إعلامي، بل أصبحت علماً يُدرَّس، وتحليلاً يُبنى، ورسائل تُقاس، وهوية تُصنع بعناية، لا بانفعال.

من هذا المنطلق، تبرز أهمية البرنامج الوطني للانتخابات النيابية والبلدية القادمة «درب 2026» الذي يقدمه معهد البحرين للتنمية السياسية، كأحد أكثر البرامج تكاملاً واحترافية في المنطقة، فجدير به أن لا يكون مجرد ورش أو محاضرات نظرية، بل تجربة تدريبية رائدة تجمع بين التأصيل القانوني، والتخطيط الاستراتيجي، والتحليل الرقمي والتواصلي، لتُعدّ مرشحاً قادراً على خوض معركة انتخابية واعية، بمضمون لا بمظاهر، وبأدوات لا بردود أفعال.

ولأن التدريب الحقيقي لا يكون بنقل المعلومات فقط، بل بنقل التجارب، تأتي أهمية أن يضم البرنامج مدرّبين متخصصين، يمتلكون خبرة ميدانية في الانتخابات البحرينية. فالانتخابات هنا لها خصوصية في أدواتها، وسياقها، وشكل تفاعل الشارع معها. وجود مدرّب يفهم هذه التفاصيل، ويعرف تحديات الواقع الانتخابي بكل مراحله، يجعل التدريب أكثر صدقًا وفاعلية، ويضمن أن يخرج المرشح مستعدًا لواقع الدائرة، لا لنموذج نظري مستنسخ من المواقع او تجارب لا تشابه مجتمعنا.

لقد أصبح الوعي الشعبي سابقاً للخطاب التقليدي. والشارع لا ينتظر من يصف مشكلاته، بل من يقترح حلولها. وهذا يفرض على المرشح أن يواكب المرحلة بأدوات جديدة: تحليل البيانات، توظيف الذكاء الاصطناعي، فهم الإعلام الرقمي، وإدراك البيئة القانونية. وبدون هذه الأدوات، تصبح الوعود المكررّة مجرد صدى لا يُسمع.

وفي السياق ذاته، فإن هذا البرنامج يعد من أهم عناصر نجاح الحملات الانتخابية بأكملها، فأثر البرنامج الوطني لن يتحقق على النحو الأمثل إذا اقتصر على المرشح فقط، فنجاح المشروع الانتخابي هو ثمرة تفاعل تكاملي بين المرشح، وفرق عمله، وكل المهتمين بالشأن الانتخابي. إذ تتوزع المعرفة بين الجميع، ويتشكّل وعيٌ مشترك حول الرسالة، ويُبنى تنظيمٌ فعّال للحملة، بما يعزّز الاحتراف، ويقلّل الفوضى، ويرفع سقف التأثير في الشارع.

في النهاية، الانتخابات ليست موسماً للكلام، بل مساحة للوعي الجماعي. والمرشح الحقيقي هو من يتقن الإصغاء قبل الخطابة، والفهم قبل الحشد، والتأثير قبل التواجد. فالديمقراطية لا تحتاج إلى من يكرر ما نعرف، بل إلى من ينجز ما نحتاج.

همسة

في كل حملة انتخابية، هناك من يقدّم وقته وجهده وولاءه. فلا تنسَ أن الحماس لا يبرر إغفال الحقوق، ولا يجوز أن تتحوّل العاطفة الانتخابية إلى مساحة استغلال. الوعي يبدأ من داخل الحملة قبل أن يخرج إلى الشارع، والعدالة تبدأ من العلاقات داخل الفريق قبل أن تُرفع كشعار أمام الناس.