عبدالله صويلح

- الأمان ليس معنى واحداً مغلقاً، بل مجموعة من الأساليب والمشاعر التي تتشكل مع مراحل العمر المختلفة. فمنذ اللحظة الأولى لولادة الإنسان تغرس فيه فطرة الشعور بالأمان، لكنه شعور لا يكتمل وعيه إلا عند النضج. في طفولته يرى الأمان في عيني والديه في رعايتهما له وحرصهما على غذائه وصحته، وفي دفء حضورهما الذي يمنحه الثقة بأن هناك من يحميه ويحارب من أجله. فالوالدان هما مصدر الأمان الأول في حياة الإنسان، وهما الركيزة التي يستند إليها في نشأته وحتى مراحل تقدمه في العمر.

- ومع مرور السنوات، ينتقل الإنسان إلى مرحلة أخرى من الشعور بالأمان، وهي مرحلة الاندماج في الروضة والمدرسة. هناك يكتشف مشاعر جديدة، يلتقي بأطفال يعيشون التجربة ذاتها، ويتشاركون البراءة ذاتها، فتتشكل بينهم روابط اجتماعية ومعرفية تعمها الطمأنينة. وفي الغالب تبقى ذكريات هذه المرحلة حية في القلب، لأنها أول مجتمع صغير يتعلم فيه الإنسان معنى المشاركة، والصداقات، والدعم، وهذه كلها صور من صور الأمان.

- وفي الحاضر الذي نعيشه اليوم، يتوسّع مفهوم الأمان ليشمل جوانب أخرى من الحياة، فقد تكون الصحبة الصالحة مصدرا كبيراً للأمان، أصدقاء يساندونك ويكملون ما ينقصك ويأتونك كهبة من الله. كما يظهر الأمان في بداية المسيرة العملية عندما يبدأ الإنسان بالتخطيط وبذل الجهد للوصول إلى مستقبل مستقر. ومع كل خطوة ناجحة يشعر بأنه يتقدم نحو بر الأمان، وتزداد ثقته بنفسه وقدرته على مواجهة الحياة دون خوف، فينمي داخله شعوراً من الطمأنينة يجعله أقوى وأكثر ثباتاً.

- الأمان الحقيقي لا ينحصر في كلمة مرور لهاتف أو قفل باب أو إجراءات حماية وتقنيات أمنية؛ فهذه وسائل ظاهرية يستخدمها الجميع للتقليل من المخاطر. أما الشعور بالأمان فهو حالة داخلية، وراحة نفسية تتولّد في قلب الإنسان مهما كانت مكانته. إنه حاجة مستمرة تبني الثقة وتمنح القوة لاتخاذ القرارات الصحيحة وخوض معارك الحياة بثبات.

- ولأن البشر يختلفون في القيم والمبادئ والخلفيات، يبقى الشعور بالأمان فطرة مشتركة بينهم جميعاً؛ فهناك من فقد هذا الشعور لأسباب متعددة، وهناك من اكتسبه منذ طفولته وحافظ عليه ونمّاه حتى بلغ برّ الأمان. هذا الشعور يولّد المحبة والرحمة والإنسانية، ويمنح الحياة معنى أجمل. فاليقين بأننا أقوياء وسط مجتمعاتنا إنما هو نعمة من الله، ثم من تلك المشاعر الآمنة التي تهمس لنا دائماً، بأننا بخير مادمنا نمتلك أعظم الكنوز ألا وهو الشعور بالأمان.