- تفرض الحياة بطبيعتها على الإنسان جملة من الظروف الطارئة والأحداث غير المتوقعة، التي قد تكون في بعض الأحيان بسيطة، وقد تأتي في أحيان أخرى على هيئة أزمات قاسية. وغالباً ما يكمن الخلل في عدم تهيئة الذهن لاحتمالية التعرض لمثل هذه المواقف، مما يجعل الاستعداد المسبق ووضع خطط بديلة ضرورة ملحّة لضمان القدرة على المواجهة واتخاذ القرار في اللحظات الحرجة. ولا تقتصر المفاجآت على الجوانب السلبية فحسب، فقد تحمل الحياة أيضاً أحداثاً إيجابية مفاجئة؛ كترقية، أو جائزة، أو خبر سار قد يغيّر مجرى الحياة تماماً، وهو ما يستلزم استعداداً نفسياً يمكّن الفرد من استقبال هذه التحولات دون أن يفقد اتزانه.
- وعلى المستوى الاجتماعي، تتجلى أهمية التوقع الواعي للمتغيرات في التعامل مع الآخرين. فليس كل من يحيط بالفرد يتمنى له التفوق أو يحترم نجاحاته، إذ قد يسعى البعض إلى تقويض ما حققه من إنجازات. وبينما تبقى النوايا مخفية، تكشف السلوكيات الكثير من الحقائق، مما يحتم على الفرد ترك مساحة للانتباه والحذر من أجل حماية طموحه ومسيرته. وفي المقابل، قد يصادف الإنسان من يقف معه ويدعمه بإخلاص، ما يجعل الاستعداد لرد الجميل سلوكاً إنسانياً محموداً.
- أما على مستوى الدول، فإن مبدأ «توقّع ما لا يُتوقَّع» يتجلى بوضوح في السياسات الوطنية وخطط الاستعداد للطوارئ. فكل دولة تسعى، وفق معطياتها وتحدياتها، إلى وضع استراتيجيات مدروسة للحد من الكوارث والمخاطر المحتملة، حفاظاً على سلامة المجتمع واستدامة التنمية. وتُعد هذه الاستراتيجيات بمثابة خط الدفاع الأول أمام المفاجآت، بما تحتويه من أنظمة إنذار مبكر، وتدابير وقائية، وخطط إغاثة ومواجهة.
- وإذ لا يدّعي الإنسان علماً بالغيب، إلا أن من الحكمة وضع احتمالات متعددة لما قد تفرضه الحياة من أحداث، سواء على المستوى الشخصي أو الأسري. فالاستعداد الذهني والنفسي يمكّن الفرد من التعامل مع المفاجآت دون أن تتعطل مسيرته أو تتأثر صحته. كما يسهم في تعزيز قدرته على استقبال الأخبار المفرحة أو المؤلمة بقدر من الاتزان، مدركاً أن الحياة تحمل في طياتها احتمالات كثيرة قد يتحقق بعضها وقد يظل مجرد افتراض.
- وفي ضوء ما سبق، يصبح التخطيط الاستراتيجي للحياة خطوة أساسية لكل من يرى في الأمل محركاً لمسيرته. فإحاطة الذات بخطة واضحة، وتحديد مسارات بديلة، واعتماد التفكير الوقائي، كلها عناصر تسهم في المضي نحو الأهداف بثقة واستقرار، بعيداً عن التردد أو الانكسار عند أول عقبة. وهكذا تتجسد أهمية توقع غير المتوقع بوصفه أداة واعية تساعد الإنسان على العبور بثبات وسط تحولات الحياة وتقلباتها.