في عالم تتراجع فيه الثوابت، وتتصاعد فيه موجات الاضطراب، تصبح قدرة الدول على حماية أمنها ليست مجرد وظيفة إدارية، بل معياراً لمدى أهليتها للاستمرار. ويوم الشرطة في البحرين يكتسب قيمته من هذا الإدراك تحديدًا؛ فهو يسلّط الضوء على حقيقة أن الأمن هو الشرط الذي تُبنى عليه السياسة، والقاعدة التي تنشأ فوقها التنمية، والإطار الذي تتحدد ضمنه إمكانات الدولة وحدودها.

لقد أرست الرؤية الإصلاحية لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه، تصوراً جديداً لموقع الأمن داخل بنية الدولة؛ تصوراً يتعامل مع الأمن بوصفه وظيفة تأسيسية لا لاحقة، وعنصراً ينظم توازن الدولة الداخلي ويحدد قدرتها على التفاعل مع محيطها الإقليمي. فالأمن هنا ليس استجابة ظرفية، بل هندسة مستمرة لمعمار الدولة، وإدارة دقيقة للتهديدات بما يكفل استدامة الاستقرار السياسي والاجتماعي.

وتحت قيادة الفريق أول معالي الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة معالي وزير الداخلية، شهدت المنظومة الأمنية مرحلة إعادة بناء شاملة ارتكزت على تحديث بنية القيادة والسيطرة، وتطوير منظومات الأمن السيبراني، وتوسيع قدرات التعقب الأمني. لقد انتقلت البحرين من منطق التعامل بعد وقوع التهديد إلى منطق استباقه، وهو تحول استراتيجي جوهري يعكس قدرة الدولة على حيازة المبادرة بدل الاكتفاء برد الفعل.

هذا التطوير التقني لم يكن معزولاً عن البعد الاجتماعي؛ فالأمن المجتمعي أصبح عنصراً مركزياً في صياغة العلاقة بين الدولة والمواطن، بما يعزز الثقة المتبادلة، ويرسخ فكرة أن الاستقرار مسؤولية مشتركة. كما توسّع دور المرأة في العمل الشرطي، لا كتعبير رمزي، بل كإضافة مؤسسية تعكس نضج المنظومة الأمنية واتساع أدواتها.

وفي عمق هذه المنظومة تقف ذاكرة الشهداء الذين قدّموا أرواحهم دفاعاً عن أمن الوطن؛ فالتضحية هنا ليست حدثاً منفرداً، بل جزء من العقد الأخلاقي الذي يحكم بقاء الدولة. إن تخليد ذكراهم ليس مجرد تكريم، بل تثبيت لفكرة أن الأمن يُصان بالوعي والجاهزية كما يُصان بالدماء التي رسّخت حدود الاستقرار الوطني.

وقد أثبتت البحرين، في مواجهة الأزمات الكبرى، وعلى رأسها جائحة كورونا، أن الأمن ليس عائقاً أمام المجتمع بل ضمانة لحمايته. لقد حافظت الدولة على تماسكها في لحظة كانت الفوضى خياراً متاحاً لدول أخرى، وهو ما يعكس قوة البنية الأمنية وقدرتها على حماية انتظام الحياة العامة.

حجر الزاوية

يبقى الأمن حجر الزاوية الذي تُشيّد عليه مملكة البحرين حاضرها ومستقبلها. فهو الإطار الذي تتفاعل فيه سياسات القيادة، وتضحيات الشهداء، وتحديث المؤسسة الأمنية، لإنتاج منظومة قادرة على حماية الوطن من المخاطر التي يفرضها عالم متغير.

ومن هذا الأساس الراسخ، تستمر البحرين في بناء مستقبلها بثقة الدولة التي تعرف جيداً أن بقاءها وازدهارها يبدأ من أمنٍ يُدار بعقل الدولة، لا بانفعال اللحظة - للمضي نحو مراحل جديدة من البناء والاستقرار.