الرأي

التفـوّق التكنولوجي الصيني

في خضم منافسات الثورة الصناعية الرابعة حققت الصين قفزات تكنولوجية كبيرة لتُصبح منافساً شرساً، بل متفوقاً على الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية في مجالات عدة منها التقنيات التأسيسية الحيويّة. وقد صدر تقرير» التنافس التكنولوجي الكبير» من مركز Belfer بجامعة هارفارد ليزيد هواجس تلك الدول المتقدمة تكنولوجياً من زحف الصين نحو المقدمة بل من تبوّئها الريادة التكنولوجية حتى في المجالات الأخرى التي لم تبلغها بعد. حيث تتبنّى الصين سياسة «تطوير قدرات الصينيين، وتقليل الاعتماد على التكنولوجيا الأجنبية، والنهوض بالتكنولوجيات الناشئة المحلية». وبحسب التقرير، تضمّنت الخطة الخمسية الحكومية الحديثة للصين المجالات التكنولوجية الرئيسة المستهدفة، ومؤشرات قياس الأداء، والمواعيد النهائية لتحقيق النتائج، بل إنها حمّلت مسؤولية تحقيقها لحكومات المقاطعات والحكومات المحلية.

وكدولة ترتكز على الابتكار التكنولوجي ومسرّعات الابتكار كوسيلة للإصلاح الاقتصادي وتجنُّب الاعتماد على دول أخرى بمبادرة «صنع في الصين 2025» التي أطلقت في 2018 والساعية للهيمنة على الإنتاج التكنولوجي العالمي لـ10 تقنيات ناشئة. فقد تمكنت الصين خلال السنوات الماضية من التفوّق في مجالات تكنولوجية حيوية عديدة وبقفزات فاجأت منافسيها من رواد تلك التكنولوجيات، وغدت الصين منافساً شرساً فيما يُطلق عليه التقنيات التأسيسية للقرن الـ21 مثل تكنولوجيا الجيل الخامس «G5»، والذكاء الاصطناعي «AI»، والحوسبة الكمية «Quantum Computing»، والتكنولوجيا الحيوية «Biotechnology»، والطاقة الخضراء «Green Energy»، والواقع الافتراضي «VR»، والمركبات الكهربائية «EV»، والمركبات ذاتية القيادة «A R-H»، والمسيّرات «Drones»، وأشباه الموصلات «Semiconductors».

فقد تجاوز إنتاج الصين من أشباه الموصلات الـ15% من الإنتاج العالمي في 2021 بعد أن كانت أقل من1% في 1990. كما استثمرت الصين بكثافة في البحث والتطوير التكنولوجي، فزادت حصتها من الإنفاق التكنولوجي العالمي من أقل من 5% بعام 2000 إلى أكثر من 23% بعام 2020. ويُتوقع أن تتفوّق الصين على الولايات المتحدة الأمريكية في مجال الإنفاق على التكنولوجيا بعام 2025.

وتعتمد الإستراتيجية الصينية على التنسيق التام بين القطاع العام المدني والعسكري والقطاع الخاص، حيث تدعم الدولة جهود الوكالات العسكرية والمؤسسات المملوكة للدولة والشركات الخاصة لتطوير التقنيات التكنولوجية باختلافها، فتقدم الدولة منحاً بحثية وقروضاً وبرامج تدريبية وتُوفّر أراضي ومساحات مكتبية، بل تُنشئ مُدناً متكاملة مخصصة لشركات الابتكار التكنولوجي فقط. لذا تحوّلت الصين على مدى العقدين الماضيين من دولة «مُقلّدة للتكنولوجيا» إلى دولة «مُطوّرة للتقنيات القائمة ومُبتكرة للمزيد».

ويُبرز استثمار الصين في تكنولوجيا شبكة الجيل الخامس تطوّر الخطط الصينية واقعاً؛ فشبكة الجيل الخامس تُشكّل عصَب البنية التحتية للشبكات الخلوية الجديدة بمختلف دول العالم، وقد تبوّأت شركة HUAWE الصينية الريادة العالمية في هذا المجال، وغدت تطرح منتجات مُبتكرة عالية الجودة بأقل أسعار من منافسيها من كوريا الجنوبية وفنلندا.

أما في مجال الذكاء الاصطناعي وهي التكنولوجيا المستقبلية الأهم التي ستنعكس آثارها على الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والأمنية لدول العالم أجمع بالسنوات القادمة، فتتقدم الصين على الولايات المتحدة والدول الأوروبية في أوجُهها الحيويّة، بل يُتوقع أن تتخطى الصين الجميع لتتبوأ المركز الأول بعام 2030. كما أن الاستثمارات الصينية الضخمة في مجال الذكاء الاصطناعي دفعت الباحثين الصينيين لنشر أبحاث علمية في هذا المجال أكثر من نظرائهم الأمريكيين والأوروبيين.

ومن ضمن الشركات عملاق التجارة الإلكترونية Alibaba، وشركة Tencent المطوّرة لتطبيق WeChat، وشركة Baidu التي تقدّم منتجات كثيرة عبر الإنترنت، وشركة DJI المهيمنة على سوق المُسيّرات، وشركة SenseTime المُنتجة لتقنيات التعرُّف على الوجوه لشبكات المراقبة الحكومية. كما أنه منذ بدء جائحة (كوفيد19) أقدمت شركةGBI المُزوّد الأكبر للتسلسل الجيني في الصين على إنشاء قرابة 50 مختبراً جديداً في الخارج مصممة لمساعدة الحكومات في اختبارات الكشف عن فيروس كورونا.