في مقالات سابقة تحدثت عن أهمية البحوث العلمية ودورها الهام في التنقيب عن مواطن الخلل والقوة في كثير من الأمور سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو علمية أو سياسية، وكيف أن المرحلة الجامعية تضع الطلبة في موقع وتجربة واقعية لممارسة هذا العلم المهم.

مجال البحوث العلمية واسع وكبير ومجال الاستفادة منه أكبر إن كان هناك جهة تعتمد تنقيح ومراجعة هذه الدراسات. فهناك عشرات الدراسات الجامعية التي تقدم كل سنة ومن مختلف جامعات المملكة، وأغلب هذه الدراسات تنتهي فور انتهاء الفصل الدراسي، ولا يعرف مدى الفائدة التي تحققت والمجال الذي خاضته هذه الدراسة.

وهنا أطرح تساؤلاً لعدة جهات لها علاقة ببعضها البعض، أولها التعليم العالي، والثانية الجامعات، حول ما إذا كانت هذه البحوث التي يقدمها الطلبة تتطابق مع المعايير العلمية لعمل البحوث، وهل مجرد تقديم البحوث أو الدراسات كفيل بأن يجتاز الطالب هذا المقرر، وهل هناك جهة تتبع التعليم العالي لها خبرة وتخصص بإمكانها قياس مدى تحقق معايير اكتمال هذا «البحث أو الدراسة»!

وسبب هذه التساؤلات هو تجربة عشتها مؤخراً مع فئة «طلبة الجامعة» ممن لديهم متطلب «مناهج البحث العلمي»، أو مادة أخرى تتطلب إعداد دراسة أو بحث، فكثير ولا أبالغ لو أقول أغلب الطلبة يكون خيارهم لهذه المادة «الاعتماد على جهة خارجية».

فكثير من الطلبة يلجأ لأشخاص أو مكتبات تقدم خدمة إعداد بحوث جامعية ودراسات مقابل مبالغ تتراوح ما بين «20 إلى 50 دينارا»، أغلبهم يتعذر بأن المادة في غاية الصعوبة، أو أنها إضافة لا فائدة يرجى منها «لا نعلم لماذا ندرسها»، لهذا نجد هذه الفئة تدخل وتخرج من هذه المادة دون أي إضافة في مخزونها المعرفي، وأنهم دخلوا الجامعة وتخرجوا ولا يملكون أي مهارة أو علم في مجال البحوث أو الدراسات.

هنا لا يمكن أن نلوم الجامعة بشكل كامل ولا مدرس المادة على هذا الخلل الكبير، بل هناك مشكلة مركبة من البداية، فآلية الدراسات وكيفية تقييمها لابد من أن تكون مع جهة لها باع وخبرة في مجال البحوث مثل «مراكز الدراسات في البلد»، فبدل أن تكون مادة المناهج مادة ضمن الخطة وفي مرحلة متقدمة، يجب أن تكون في آخر المرحلة الدراسية ويكون لها نصيب أكبر من الوقت والتركيز، وأن تسير الدراسة بشكل مجزأ في كل مراحلها أمام الشخص المكلف بمتابعة الدراسة كي يعرف ما إذا كان من يعد هذه الدراسية الطالب نفسه أو جهة خارجية.

هناك نظرة واعتماد إيجابي من قيادة هذا البلد بفئة الشباب، وهناك تصور بأن ينقل هؤلاء الشباب مستقبل البلاد نحو مجالات متقدمة ومختلفة عما اعتدنا عليه في السنوات الماضية، وكل ذلك لن يتحقق ما لن يجتاز الشباب أهم مراحل حياتهم بالشكل الصحيح والأساليب الجديدة الصحيحة.