العين الاخبارية
مع احتدام الصراع في السودان بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع وتضاؤل فرص التوصل إلى سلام بين الطرفين المتنازعين، انطلقت صيحات تحذيرية، من خطورة استمرار الاقتتال على الصعيد الدولي والإقليمي.
فالسودان بلد مترامي الأطراف، ذو مساحة شاسعة، يطل حدوده على عدد كبير من الدول المجاورة، ما يعني تأثر عدد أكبر من تلك البلدان بالأحداث التي تدور في البلد الأفريقي.
ولكون السودان يمثل حلقة هامة في حفظ السلم والأمن على الصعيدين الإقليمي والدولي، كانت أزمته محط اهتمام المجتمع الدولي بكافة توجهاته، كون الوضع في البلد الأفريقي ينعكس على دول جواره، ما يجعل من رقعة تتسع شيئاً فشيئاً.
تلك الأهمية التي يتميز بها السودان دفعت أعضاء المجتمع المدني إلى العمل على تهدئة الأوضاع، والحيلولة دون احتدام النزاع واستمراره لما لذلك من انعكاسات سلبية على الأمن والسلم الدوليين، وخوفا من انتشار وتفشي الجماعات الإرهابية في ثالث أكبر بلد أفريقي.
فماذا يعني السودان للجماعات المتطرفة؟
يقول المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات إن الانفراط الأمني في السودان قد يؤدي إلى تنامي نفوذ القاعدة فيها من جديد، ولا سيما أن السودان له مكانة خاصة لدى أعضاء التنظيم، فقد كان مقراً ومستقراً لزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن في الفترة من 1990 حتى 1996.
وبحسب تقرير المركز الأوروبي فإن الجماعات الإرهابية دائما ما تستغل الاضطرابات لإيجاد موطئ قدمٍ لها والظهور من جديد على السطح، مشيرا إلى أن تركيز المجتمع الدولي على مجريات الأمور في السودان، قد يدفع حركة الشباب الإرهابية في الصومال إلى شن هجمات قرصنة على السفن المارة في منطقة القرن الإقليمي، مما يؤدي إلى اتساع رقعة التوترات من جديد في هذه المنطقة، والتي تمثل شريانا للعالم لا يمكن التغافل عنه.
وأشار إلى أن تعاظم شأن حركة الشباب من جديد في منطقة القرن الأفريقي سيؤدي إلى زعزعة الاستقرار الدولي في منطقة القرن الأفريقي التي تطل على البحر الأحمر من خلال باب المندب ثم بالتبعية على البحر المتوسط، وعلى السواحل الجنوبية الغربية لقارة أفريقيا.
ما مخاطر انزلاق السودان نحو الفوضى؟
يقول المركز الأوروبي إن الصراع بين أكبر قوتين عسكريتين في السودان اجتذب مشاركة كبيرة من اللاعبين الإقليميين والدوليين، ولكل منهم دوافعه ومصالحه الخاصة، مما يؤكد الطبيعة المعقدة والمتعددة الأبعاد للأزمة، ويسلط الضوء على تحديات إيجاد حل فوري للصراع وتحقيق سلام دائم يحول دون الانزلاق نحو حرب أهلية يتسع نطاقها ويطول أمدها.
نظراً إلى موقع السودان الاستراتيجي فإنّ احتمالية توسّع الصراع وتمدده إلى الدول المجاورة، ومنطقة الساحل تبقى قائمة بقوة.
وقالت صحيفة "فورين بوليسي" الأمريكية في مقالٍ تحت عنوان "حرب السودان قد لا تبقى في السودان"، إن الصراع في السودان قد يؤدي إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة، مشيرة إلى أن الحرب سيكون لها عواقب وخيمة على السلام والأمن الإقليميين، خاصة في ظل تزايد التطرف في دول غرب أفريقيا الساحلية.
وتتمثل إحدى نتائج الصراع الدائر في السودان في الانتشار المتوقّع للسلاح في مختلف أنحاء المنطقة، الأمر الذي قد يؤدي إلى اتساع التجارة غير المشروعة للأسلحة، مستغلة الطبيعة السهلة الاختراق لحدود المنطقة، كما هي الحال في بوركينا فاسو وتشاد ومالي والنيجر ونيجيريا.
وبحسب المركز الأوروبي، فإن القتال في السودان يهدد بإشعال المزيد من الصراعات داخل حدود جيرانه، مؤكدا أن مخاطر حدوث تداعيات إقليمية عالية تعود إلى الأهمية الجيوستراتيجية للبلد الأفريقي عند تقاطع المحيط الهندي والقرن الأفريقي والعالم العربي.
وكان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش حذر من "حريق كارثي" قد يستهلك المنطقة، في ظل تضاؤل الآمال والفشل في التوصل إلى حل سريع للأزمة في السودان.
على الجانب الغربي من السودان، تقدر الأمم المتحدة أن حوالي 100 ألف سوداني سيفرون عبر الحدود إلى تشاد، الحليف الإقليمي الرئيسي للولايات المتحدة، حسب "فورين بوليسي".
تهديد الملاحة البحرية والقرصنة
ويقول المركز الأوروبي إن تداعيات الصراع العسكري الكارثية في السودان لا تقتصر على الداخل السوداني فحسب، ولا على المحيط الإقليمي، وإنما يمتد أثرها إلى الفضاء العالمي عبر تهديد أمن البحر الأحمر.
وأوضح أن السودان يعد أحد أهم الدول المشاطئة لهذا الممر المائي الاستراتيجي، مشيرا إلى أن خطر استمرار الصراع السوداني وتصاعده ينذر بخلل في منظومة أمن البحر الأحمر ودخول قوى دولية ظلت تبحث عن موطئ قدم لها، ومن ثمَّ يتحول إلى ساحة صراع دولي حاد.
وتابع: ليست الولايات المتحدة وحدها من تتخذ لها قواعد عسكرية في دولة جيبوتي، بأكبر قاعدة عسكرية أمريكية لها في أفريقيا، بل تحتفظ فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة كذلك بوجود عسكري كبير هناك، كما تستضيف جيبوتي أول قاعدة عسكرية للصين، وأول قاعدة عسكرية يابانية منذ الحرب العالمية الثانية، بالإضافة إلى أن تركيا لديها قاعدة عسكرية في الصومال.
وكانت مجموعة عمل البحر الأحمر التابعة لـ"معهد السلام الأمريكي"، حذرت في وقت سابق، من أن الحرب في أي دولة في المنطقة تنطوي على خطر انتشار عدم الاستقرار من خلال تدفق اللاجئين عبر الحدود وتوسيع الأزمات الإنسانية.
مكافحة الإرهاب
تعاني دول القرن الأفريقي من العنف وانعدام الأمن، وتعتبر المنطقة مركزا على طريق التجارة والهجرة في البحر الأحمر، على الحدود مع المناطق غير المستقرة في الساحل ووسط أفريقيا، وهي ذات أهمية استراتيجية للاتحاد الأوروبي.
وتدفع الظروف السياسية والأمنية التنظيمات المتطرفة إلى معاودة نشاطها داخل السودان أكثر من أي وقت مضى؛ فالصراع الأمني يفرض عددا من التحولات التي ستصب في مصلحة الجماعات المسلحة سواء الموجودة داخل السودان التي رسخ وجودها النظام السياسي السابق أو التنظيمات المتطرفة ذات الامتدادات الخارجية.
وعبر المركز الأوروبي عن مخاوفه من أن يصبح السودان بيئة خصبة وملاذا آمنا للإرهاب في أفريقيا، بل مصدرا للإرهاب، إذا استمر الظرف الأمني على وضعه من دون تدخل لاحتوائه والحد من خطره والانتقال إلى حكومة تكون أولى أولوياتها مواجهة خطر التنظيمات الإرهابية.
روشتة أوروبية
وطالب المركز الأوروبي المجتمع الدولي بضرورة إيجاد حلول جذرية لهذا الصراع، وألا يتم استمالة أحد الأطراف، بل يكون على مسافة واحدة منهما، للوصول إلى حل يرضى عنه الجميع.
وأكد ضرورة أن يستفيد المجتمع الدولي مما حدث في الأزمة السورية "فعندما تشعبت هذه الأزمة بين القوى الدولية والإقليمية وأخذ كل عضو من أعضاء المجتمع الدولي باستمالة فريق من فرق الصراع رأينا جميعاً نتيجة ذلك".
وأضاف "الملايين من البشر قد هجروا ومثلهم قضوا حتفهم وتنشر تجمعات اللاجئين على أرض سوريا نفسها، وبالتالي يجب أن تتضافر الجهود وأن يكون الجميع على مسافة واحدة من المتصارعين في السودان، والعمل على عدم تقديم أي دعم خارجي لأي منهما، ووقف عمليات تصدير الأسلحة إلى كلا الطرفين فوراً، ففي هذا النزاع لن يكون السودان هو الخاسر الوحيد بل سيكون الجميع".
ورغم ما تبذله بعض الأطراف الدولية والإقليمية لإيجاد حل في السودان، يبدو أن الصراع في السودان يمكن أن يستمر وقتا أطول، وهذا يعتمد على ما تبذله الأطراف الإقليمية والدولية لحل الأزمة.
وأشار إلى أن ما يحتاجه السودان أن يكون هناك جهود استباقية بنزع فتيل الحرب في السودان، لما لهذه الحرب من تداعيات تضرب بمصالح دول إقليمية ودولية، مؤكدا أن الأزمة السودانية الراهنة بالغة التعقيد وتطرح قضايا مركبة للغاية، مما يجعل من الحل الأمثل لها عملية سياسية تفاوضية تؤدي لجيش قومي واحد في إطار مشروع شامل للتحول الديمقراطي تقوده سلطة مدنية كاملة.