تونس - منال المبروك

واصل التونسيون التعبير عن غضبهم من الطبقة السياسية بمقاطعة الانتخابات البرلمانية التي اتسمت بضعف الإقبال في أغلب محافظات البلاد حيث لم تسجل مراكز الاقتراع نسب مشاركة عالية في ثالث انتخابات برلمانية تجرى في تونس بعد الثورة والرابعة عشر في تاريخ البلاد منذ استقلالها.

والأحد توجه التونسيون لمراكز الاقتراع لانتخاب 217 ممثلاً لهم في المجلس النيابي القادم خلال السنوات الخمس القادمة تم اختيارهم من بين 1500 قائمة ترشحت للاستحقاق الانتخابي الأهم في البلاد بحسب الصلاحيات التي يمنحها الدستور للمجلس التشريعي.

ويحق لنحو 7 ملايين تونسي المشاركة في الاقتراع واختيار برلمان جديد، حيث إنه هو صاحب السلطة الأصلية في نظام برلماني في الغالب، ما يجعل من هذه الانتخابات لحظة بالغة الأهمية لرسم مستقبل المشهد السياسي، وبالخصوص لتفويض 217 نائباً، يأمل التونسيون أن يكونوا أكثر توفيقاً من سابقيهم لتحقيق إنجاز اقتصادي واجتماعي واستكمال بقية المؤسسات الدستورية.

وتنافس أكثر من 15 ألف مرشح للانضمام إلى البرلمان الجديد لمدة 5 سنوات، في ثاني انتخابات لمجلس نواب الشعب منذ الثورة، ضمن 1506 قوائم تتوزع على 674 منها حزبية و324 قائمة ائتلافية، و508 مستقلة، يمثلون 33 دائرة انتخابية منها 27 منها داخل تونس، و6 خارجها تتيح انتخاب 18 نائباً يمثلون المهجر.

وجرت الانتخابات البرلمانية بين دورتين للانتخابات الرئاسية وفي أجواء سياسية مشحونة طغى عليها الإحباط لدى الناخبين من الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي تردت إليه البلاد بعد أكثر من 8 سنوات من الثورة.

وقال المحلل السياسي منذر بالضيافي إن "عزوف الناخبين عن المشاركة في العملية السياسية هي تعبير عن خيبة أمل التونسيين بسبب صعوبة أوضاعهم المعيشية".

وأضاف بالضيافي لـ"الوطن" أن "التونسيين لم يعودوا يأبهون لوعود السياسيين"، مشيرا إلى أن "العملية السياسية في تونس أصبحت تختزل في الوصول إلى السلطة دون مراعاة لمطالب التونسيين"، معتبراً أن "الأحزاب لم تلتزم بوعودها السابقة ما جعل التونسيين يحجمون عن الذهاب إلى صناديق الاقتراع".

واعتبر منذر بالضيافي أن "نتائج الانتخابات لن تعكس اختيارات التونسيين مهما كان الفائز"، مؤكداً أن "الحكومة القادمة ستكون مهددة بسبب ضعف حزامها السياسي"، منبهاً إلى "مخاطر حقيقية تحدق بديمقراطية تونس واستقرارها السياسي والاقتصادي في الفترة القادمة".

وتميزت الأجواء الانتخابية عموماً في كافة الدوائر بضغط عالٍ ومنافسة شرسة بين العائلة الديمقراطية التقدمية التي تقدمت إلى الاستحقاق البرلماني بقائمات عديدة والنهضة الإسلامية التي استعادت الخطاب الثوري وسعت إلى استمالة التونسيين تمسكا منها بالسلطة برغم الهزيمة التي مني بها مرشحها عبدالفتاح مورو في الدور الأول من الانتخابات الرئاسية.

وكرّست نتائج الانتخابات الرئاسية موجة الغضب الشعبي الواسعة التي ضربت الجميع من دون استثناء، ودفعت الناخبين إلى استدعاء بدائل من غير المنظومة الحاكمة ولا حتى المعارضة. وعمَّق هذا الوضع مخاوف الأحزاب من أن تتواصل موجة الإقصاء الشعبي وتدفع بقوى جديدة غير واضحة المعالم سياسيا لقيادة السنوات الخمس المقبلة، وربما إدخال تعديلات عميقة، ليس على نمط الحكم فقط، بل أيضا على طبيعة النظام السياسي وطريقة إدارة الشأن العام بكل تفصيلاته.

وتهدد نتائج الانتخابات البرلمانية تونس بعدم قدرة أي طرف سياسي على تشكيل الحكومة بما في ذلك الحزب الفائز بأكبر عدد من المقاعد إذا لم تفرز أغلبية واضحة "109 نواب من أصل العدد الإجمالي المحدد بـ217 نائباً".

وتبدي جهات حزبية عديدة مخاوف من أن تُفضي نتائج الانتخابات التشريعية إلى تقطيع المشهد البرلماني وتفتيته بسبب تشتت الأصوات، ما يعني عدم منح أي جهة، حزبية أو مستقلة، أغلبية ولو نسبية تمكنها من قيادة المرحلة المقبلة ما يضع تونس أمام سيناريوهات غامضة تزيد غموضاً مع بقاء نبيل القروي المترشح لدور الإعادة في الانتخابات الرئاسية في السجن وعدم تمكينه من حقه في القيام بالحملة الانتخابية.