العين الاخباريةعانت سكك الحديد بالعراق من تقلبات الأوضاع والإهمال، متماشية بذلك مع اضطراب الوضع السياسي والأمني بالبلاد.. فهل تنجح خطة إحيائها من جديد؟

يتذكر هاشم علي ذو الستين عاماً، أيام خلت وذكريات مازالت عالقة رغم مرور أكثر من 3 عقود عليها، عاشها بين محطات القطار وطوابير شباك التذاكر أبان الحرب العراقية الإيرانية في ثمانينات القرن الماضي.

حينها كان علي الذي يسكن في ضاحية بالعاصمة بغداد، جندياً في صفوف الجيش العراقي، ضمن وحدة عسكرية تقع عند أطراف البصرة جنوب البلاد. يقول "مازال صوت القطار يدوي في رأسي وضحكات الرفاق ونحن نتزاحم على ممرات العربات الحديدية خلال فترات الالتحاق والنزول".وحتى أواسط تسعينات القرن الماضي، شكل القطار الوسيلة الأكثر إقبالاً بين العراقيين لرخص التكاليف وقلة الحوادث مقارنة بما تسجله العجلات على الطرق العامة وخصوصاً السريعة والدولية منها.

إلا أن قطاع سكك الحديد والقطارات في العراق، قد تأثر كثيراً بالظروف التي عاشتها البلاد إبان الحصار الاقتصادي في تسعينات القرن الماضي، وما فرض من فقدان قطع الغيار اللازمة لإدامة تلك الخطوط واعتماد مواد محلية الصنع كبدائل اضطرارية.

يقارن الجندي السابق، هاشم علي، ما بين أحوال أمس واليوم، إذ يرى أن اعتماد الركاب على القطار بات ضعيفاً وأمست المحطات شحيحة بالمسافرين، على الرغم من التطورات التي شهدها هذا القطاع في السنوات العشر الأخيرة بإدخال عربات حديثة ذات سرع عالية.

ويعزو علي، خلال حديث لـ"العين الإخبارية"، أسباب عزوف المواطنين عن استخدام القطار في تنقلاتهم الطويلة ما بين المحافظات، إلى اكتظاظ العراق بالسيارات وخصوصا الحديثة منها ما بعد 2003، والتي تختزل توقيتات الوصول إلى نصف ما يقطعها المسافر عبر تلك العربات.

فيما يرى سائق القطار علي الكرخي، أن هجرة سكك الحديد جاءت بالتراكم منذ نهاية القرن الماضي عقب فقدان العربات إلى الخدمات الجيدة من وسائل الراحة وتقادم عمل تلك العربات دون وجود أعمال صيانة وإدامة بالشكل الفني الصحيح ومن ثم تبعتها مرحلة ما بعد 2003، التي شهدت اضطراباً أمنياً مما دفع الركاب عن العزوف عن استخدام القطار للتنقل خوفاً من التعرض لقطاع الطرق خلال مروره من المناطق النائية والصحاري الشاسعة.

ويضيف الكرخي، خلال حديث لـ"العين الإخبارية"، أن "ظروف الحرب الطائفية وما تبعها من احتلال داعش لمدن العراق وبعدها ظروف جائحة كورونا زادت من انقطاع المواطنين عن محطات القطار".

ويعد العراق من أوائل دول الشرق الاوسط استخداما للقطارات بنقل المسافرين والبضائع. حيث سجلت أول رحلة تم تسييرها كانت من بغداد إلى سميجة (الدجيل) جنوب مدينة سامراء سنة 1914 بينما تم تسيير أول قطار بين بغداد والبصرة سنة 1920، وأول قطار بين بغداد وكركوك سنة 1925، وأول قطار بين بغداد والموصل تم تسييره سنة 1940.

ويعود تاريخ إنشاء السكك الحديدية في العراق إلى أوائل مطلع القرن العشرين، على يد الألمان ولكنها طورت فيما بعد من قبل البريطانيين وامتدت إلى نحو أكثر من ألفين كم شمالاً وجنوباً وغرباً.

وتقع المحطة العالمية أو ما تسمى بـ"جوهرة بغداد"، غرب العاصمة، وهي المركز الرئيس لتجمع السكك والقطارات في البلاد، وقد تميزت ببنائها اللافت وطرازها المعماري، والتي أشرف على وضع تصاميمها وتنفيذها بشكل مباشر شركات إنجليزية، واستغرق العمل فيها نحو 4 سنوات، بدءاً من عام 1948.

قطارات حديثة على سكك خاوية

دفعت ظروف إحتلال داعش للعراق قبل سبعة أعوام فضلاً عن قدم السكك الحديدية والتجاوزات الحاصلة عليها، إلى خروج أغلب السكك الحديدية في العراق عن الخدمة كما يقول حسين الخفاجي، المتحدث الرسمي باسم وزارة النقل والمواصلات العراقية.

ويبين الخفاجي، خلال حديث لـ"العين الإخبارية"، أن "الشركة العامة للسكك الحديد، قطعت أشواطاً مهمة في استصلاح الكثير منها ولكن مازال الأمر يتطلب المزيد من الجهود والوقت".ورغم مرور نحو أربع سنوات على انتهاء الحرب ضد داعش واسترجاع المدن المحررة، إلا أن القطارات التي تدخل تلك المناطق مازال أغلبها غائب عن الحضور بسبب انهيار أغلب البنى التحتية للسكك الحديدية جراء الألغام والعمليات العسكرية، باستثناء خطي " بغداد- الفلوجة"، و "سامراء- بيجي"، اللذان أعيد افتتاحهما عام 2018.

فيما يواصل قطار بغداد- البصرة، السير بإتجاه جنوب البلاد، دون تعثر مقارنة بما هو عليه الحال في المناطق الغربية والشمالية إلا أن أعداد المسافرين مازال عند مستويات متدنية.

ويشير مدير الشركة العامة للسكك الحديد، طالب الحسيني، إلى أن "طول خطوط سكك الحديد في البلاد يبلغ 2000 كيلومتر، ولكن ما نسبته من (60 إلى 70) بالمئة منها قديمة ومتهالكة نتيجة التجاوزات وتردي الأوضاع الأمنية في بعض المحافظات على امتداد الأعوام الماضية".

محاولات مستمرة للإنقاذ

ويستدرك الحسيني بالقول "إعمار وتأهيل خطوط السكك بحاجة إلى مخصصات مالية خاصة وأن ما يتم رصده لوزارة النقل من أموال تعد غير كافية"، مشيرا إلى "مباشرة الملاكات الهندسية والفنية في المناطق الجنوبية والوسطى بحملة واسعة لإزالة التجاوزات والمعابر غير النظامية على خطوط السكك لغرض ضمان انسيابية حركة القطارات".

ويكشف الحسيني، في حديث لـ"العين الإخبارية"، عن حملة أنجزت بنسب متقدمة لتأهيل سكك الحديد في المناطق المحررة من تنظيم داعش في غرب وشمال العراق.

ويستدرك بالقول، إن الشركة باشرت بحملة صيانة خط بغداد - بيجي الذي يصل إلى مصفاة بيجي التي تعتبر من المصافي المهمة في البلاد"، مبيّناً أن الكوادر الهندسية تواصل إكمال خط مع مدينة الموصل، ويقترب العمل به من مشارف محطة قطار المدينة".

فيما توقع المتحدث الرسمي باسم وزارة النقل والمواصلات، الخفاجي، أن يتم الإنتهاء من تأهيل وربط سكك بيجي وصولا إلى محطة الموصل، مطلع الشهر القادم والبالغ طوله نحو 407 كم.

وغرباً فى أقاصي محافظة الأنبار، يؤكد الحسيني، أنه "تجري عمليات تأهيل خط القائم – عكاشات، بطول يبلغ نحو 450 كم ومن المتوقع الانتهاء منه نهاية العام الحالي".

ويُعدّ من الخطوط المهمة لنقل المنتجات النفطية والبضائع والفوسفات المنتجة في منطقة عكاشات بمحافظة الأنبار إلى بغداد وبالعكس، بحسب المدير العامة لشركة السكك الحديدية.

وكان العراق قد تسلم 11 قطاراً فائقة السرعة، عام 2015، ضمن عقد أبرم مع شركة (D.E.C) الصينية، بقيمة 138 مليون دولار، ضمن خطط تطوير سكك الحديد في العراق.

وتتألف كل وحدة من القطارات الجديدة من عشر عربات وتصل سرعتها القصوى إلى 160 كيلومترا في الساعة وتبلغ سعة كل وحدة 459 راكبا في الرحلة.