^ رغم أن الصراعات السياسية التي ولدتها تداعيات ما أصبح يعرف باسم «الربيع العربي» ما تزال في مراحلها الأولية، ومن الصعب الحكم على إي اتجاه ستسلكه رياحها والخروج برأي قاطع بشانها، وبالتالي ربما من المبكر أيضاً التكهن بما سوف تؤول إليه الأوضاع في البلدان التي هبت عليها، لكن القول القاطع بات يرى أن الأمور في الساحة العربية لم تعد واعدة ومبشرة كما كانت عليه خلال العام 2011، بعد أن تراجعت الآمال المعلقة عليها في بلدان مثل ليبيا وإلى حد بعيد مصر وبدرجة أخف تونس. هذه الحالة القريبة من التشاؤم، والتي قد يعتبرها البعض طارئة فتحت المجال أمام تحول تدريجي في ذهن المراقب العربي الذي لم يعد يكتفي بالتوقف عند النتائج السياسية ويقنع برؤية آثارها المباشرة، بل وجد نفسه يذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، حتى باتت قراءته تمس دائرة الآثار الاقتصادية التي تخلقت بعد ذلك «الربيع»، وشرعت تفرض قوانينها على الأنظمة التي مستها منذرة بخروجه من حالة «الربيع السياسي» كي يلج مرحلة جديدة يمكن أن توصف بـ «الخريف الاقتصادي». ليس أدل على ذلك الاحتمال الذي من الخطأ إسقاطه من الحسبان عند تشخيص مسارات ذلك «الربيع»، من مجموعة الملتقيات والمؤتمرات العربية التي انعقدت من أجل مناقشة «الآثار الاقتصادية للربيع العربي»، ومن أبرزها المؤتمر السادس حول الحرية الاقتصادية في العالم العربي الذي نظمته مؤسسة فريدريش ناومان بالتعاون مع معهد فريزر في بيروت في الفترة من 20 ـ21 أكتوبر 2011، تحت عنوان «الآثار الاقتصادية للربيع العربي.. الفرص والتحديات التي تواجه سياسات السوق الحرة»، وآخر نظمته كلية التجارة بجامعة عين شمس في يومي 24 و25 ديسمبر 2011، تحت عنوان «مواجهة الآثار الناتجة عن أزمات الربيع العربي». ومن أهم الفعاليات التي توقفت عند التدهور الاقتصادي الناجم عن «الربيع العربي» كان المؤتمر المصرفي العربي لعام 2012 الذي عقده في أبوظبي اتحاد المصارف العربية تحت عنوان «تحديات الأمن الاقتصادي العربي»، والذي أعلن حينها عن استعداد المصارف العربية لعملية الإنقاذ الاقتصادي المرتقبة للخروج بالربيع العربي إلى بر الأمان بعد أن أوشك على التحول إلى صقيع قارس بفعل التوترات السياسية التي لم تحدد بوصلتها بعد، وجعلت من الوطن العربي سفينة تائهة تبحث عن مرفأ آمن ترسو عليه بعد ما يقرب من 15 شهراً قضتها بين اليأس والرجاء. وهناك أيضا المؤتمر الموسع الذي ستعقده جامعة الدول العربية ومجلس الوحدة الاقتصادية خلال يومي 6 و7 مايو 2012 «لمناقشة الآثار الناتجة عن أحداث ثورات دول الربيع (تونس - مصر - ليبيا - اليمن) والمشكلات الاقتصادية التي لا زالت تعاني منها تلك الدول». وجاء في البيان الذي أصدره مجلس الوحدة الاقتصادية حول هذا المؤتمر «أنه سيركز على مناقشة الحلول العاجلة، للتغلب على هذه المشكلات والإجراءات الاقتصادية المطلوب القيام بها من دول الربيع العربي، وكذلك دول الجوار لإنهاء الأزمة الاقتصادية التي عصفت بجميع الدول العربية في أعقاب ثورات الربيع العربي». ويفصح سامر إلياس من موقع «روسيا اليوم»، عن خشية الكثير من الخبراء «من تحول الربيع السياسي العربي إلى خريف اقتصادي يفاقم الخسائر الحالية، خصوصاً مع أجواء عدم اليقين في الاقتصادين الأوروبي والأمريكي، مقدراً الخسائر حسب دراسات وتصريحات مختلفة ما بين 75 و100 مليار دولار حتى بداية العام 2012، إضافة إلى ارتفاع نسبة البطالة إلى مستويات قياسية، وينذر الضرر الكبير الذي لحق بالبنية التحتية وتراجع الإنتاج والسياحة مع استمرار الاضطرابات في بعض البلدان وعدم استقرار الحياة السياسية في بلدان أخرى إلى رفع الكلفة وتباطؤ التعافي الاقتصادي». ويقدّر الأمين العام المساعد للشؤون الاقتصادية في جامعة الدول العربية محمد التويجري في حوار مع صحيفة (الشرق) السعودية «الخسائر العربية بسبب أحداث الربيع العربي التي تشهدها الدول، بنحو 56 مليار دولار في العام 2011، ومن المتوقع أن يتضاعف هذا الرقم خلال العام الجاري 2012 ويصل إلى نحو 120 مليار دولار». وفي اجتماعات الربيع السنوية المشتركة بين صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، ركزت نائب المدير العام لصندوق النقد الدولي نعمت شفيق في اجتماع 2012 على أنه «على المدى القصير لا تزال الضغوط مرتفعة، وأن العام 2012 يمكن أن يكون أكثر صعوبة من العام الماضي، وأن بعض الدول (المقصود بها دول الربيع العربي) سوف تحتاج إلى تمويل خارجي للحفاظ على الاستقرار الاقتصادي». وعلى صفحة (سكاي نيوز) الإلكترونية التجريبية يتناول المحرر الاقتصادي عبدالناصر حسن مظاهر الأزمات الاقتصادية المحدقة بالمنطقة العربي قائلاً «تبرز في الوقت الحالي تحديات عدة تواجه الانطلاقة الاقتصادية للدول العربية عامة، والتي شهدت أو تشهد احتجاجات شعبية خاصة، حيث وصلت البطالة لدى الدول العربية عند أعلى مستوياتها، فعلى سبيل المثال تصل في مصر إلى 22 في المئة، وفي سوريا 10 في المئة»، مضيفاً «ولعل ما يزيد المشكلة تعقيداً توقعات أطلقها صندوق الدولي تتحدث عن تراجع معدل نمو الناتج المحلي في الدول العربية إلى 4 في المئة عام 2012 مقابل 5.2 في المئة عام 2011، تلك التوقعات المتشائمة لصندوق النقد تؤدي من وجهة نظر المروجين لمقولة الشتاء الاقتصادي إلى صعوبة تحقيق الأهداف التي قامت من أجلها الثورات العربية». وكي لا نحمّل الأمور أكثر مما تحتمل فمن الخطأ إلقاء المسؤولية كاملة على تداعيات «الربيع العربي»، التي وجدت في التخلف الاقتصادي العربي الذي سبقها، وما تزال عوامله نشطة فيها، الأرض الخصبة التي كانت تبحث عنها، وهي مسألة يؤكدها مدير الأعمال والتطوير الإسلامي في وكالة موديز فيصل حجازي، حين يشخّص الأزمة الاقتصادية الراهنة التي تجتاح معظم البلدان العربية بالقول «إن الأزمة الحالية في اقتصاديات الأسواق العربية هي أزمة ثقة وليست أزمة استقرار سياسي فقط». يشاركه في ذلك ويشخّص تحدياتها المستقبلية أيضاً، رئيس منتدى القاهرة الليبرالي عمرو بقلي حين قال: «لا تزال إشكالية التحول الديمقراطي المصري مرتبطة ارتباطاً فعلياً بالتحول الاقتصادي نحو اقتصاد حر يجعل المواطن فعلياً خارج سيطرة الدولة اقتصادياً ومن ثم يسمح له بهامش حركة سياسي وتنظيمي يمكنه من تشكيل رافعة اقتصادية لتياره السياسي دون ضغوط من السلطة الحاكمة، فيتمكن المجتمع لاحقاً من صناعة فوائض رأسمالية لا تتقاطع في شبكات فساد مع الدولة وبالتالي تبدأ عجلة التحول الديمقراطي في الدوران». كل ذلك يبرر توجس المواطن العربي من شبح سحب خريف اقتصاد عربي سوداء، بدأت طلائعه تلوح في الأفق، يضاعف من خطورتها عدم وضوحها مما يحول دون القدرة على تحديد آثارها المدمرة المحتملة.