«يُعتبر الخليج منطقة جوار دينامية وبوابة مهمة بين أوروبا وآسيا وإفريقيا. يترتب على وضع الأمن والاستقرار في منطقة الخليج نتائج مباشرة على الاتحاد الأوروبي. والشيء نفسه بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي، فلديه الكثير ليقدمه للشركاء الخليجيين، بصفته أكبر سوق موحدة وكتلة تجارية ومستثمر في العالم، فضلاً عن كونه قائداً في مجال البحث والابتكار، ووسيطاً مهماً ومناصراً قوياً لتعددية الأطراف والديموقراطية والتحول الاجتماعي، من بينها حقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين».

هذه الفقرة لم نكتبها نحن، أي لم يكتبها أحد مواطني دول الخليج مذكراً الاتحاد الأوروبي بأهمية دول الخليج العربي بالنسبة لأمنهم واستقرارهم ورخائهم وارتباط المصالح المشتركة بشكل وثيق، فهذا ما جرت عليه العادة، أن يكرر أهل الخليج هذه الحقائق ولكن...

لم يكن الاتحاد الأوروبي مدركاً لها حتى جاء البيان الأخير الصادر من المفوضية الأوروبية والموجه للاتحاد البرلماني الأوروبي وللمجلس الاتحادي الأوروبي يحثه على تغيير استراتيجي هام مع دول الخليج العربي، فما الذي تغير حتى تتغير تلك الاستراتيجية وتدرك أهمية دولنا؟

هناك من يقول إن حاجتهم للنفط والغاز هي التي غيرتهم وليس اكتشافاً جديداً أو اختراعاً جديداً غيّر نظرتهم لنا، إنما هي الحاجة والمصالح التي تغير النفوس.

قد يكون ذلك صحيحاً ولكن الأهم أنهم تعاطوا ربما للمرة الأولى مع كتلة عربية متماسكة وحلف عربي قوي صمد أمام كل محاولات الهدم والفوضى لمدة تزيد عن العشرة أعوام، ذلك هو المتغير الأقوى الذي جعلهم ينظرون لنا بشكل مختلف.

منذ وقوف المملكة العربية السعودية في وجه ربيعهم هي ودولة الإمارات العربية المتحدة، ومساعدتهم للبحرين ولمصر في التصدي لفوضاهم، منذ القضاء على الجماعات الدينية التي تحالفت معهم التابعة لإيران أو تلك التي كانت تابعة لتركيا، منذ كلمتهم الموحدة في «أوبك بلس» منذ مواقفهم الثابتة الموحدة تجاه الحرب الأوكرانية في أوروبا منذ رؤيتهم لحجم المشاريع والاستثمارات الاقتصادية المشتركة بين هذه الدول ومعهم مصر وهم يتعاملون مع تكتل ثابت صامد قوي كلمته واحدة، لم تنجح كل محاولات التفكيك التي حركوها بما فيها المحاولات الفاشلة للإعلام القطري للتفريق بين ذلك التكتل.

هذا هو المتغير الأقوى الذي حول النظرة إلى احترام وتقدير للمكانة وإدراك للأهمية التي يحظى بها هذا الكيان، والذي دفعهم لتغيير الاستراتيجية كاملة.

فجأة بدؤوا ينظرون للرؤى الاقتصادية الواعدة التي نتحرك للمستقبل من خلال أطرها المدروسة، فجأة رأوا مساهماتنا الإنسانية وعملنا الدؤوب للاتجاه للأخضر وللبيئة وفجأة رأوا التطور السياسي وفجأة رأوا كيف كان وضع الإنسان في هذه الدول وقت جائحة كورونا.

الشاهد أنهم الآن يعرضون شراكة فاعلة أكثر اقتناعاً بأن لهم مصالح معنا مثلما لنا مصالح معهم، وهذه المعادلة التي كنا ننادي بها وندعو لها ولهذا نحن الآن نرحب بها.

إنما لتكون لنا درساً بليغاً بأن العالم لن يرانا إلا حين آمنا بالعمل المشترك وبقوتنا ونحن موحدون، «واعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ»، صدق الله العظيم.