كتب – المحرر الثقافي:
صدر عن المركز الثقافي العربي، حديثاً كتاب «أوراق فلسفية» لمجموعة من المؤلفين، من تقديم د. سعد البازعي.
ونقرأ في مقدمة الكتاب «أن الحديث عن تاريخ الفلسفة في الثقافة العربية الإسلامية منذ مجيئها اليوناني الأول في عهد الكندي… مساحات فكرية واسعة، مستنهضاً النشاطات الثقافية، للبحث عن إجابة عن سؤال المتكرر الحضور وهو: هل للفلسفة مكان في المشهد الثقافي العربي الإسلامي، وهل يمكن للمسلمين أن ينتجوا فلسفة أو يتفلسفوا على الطريقة الأفلاطونية أو السقراطية؟…
تفاعل وثيق
يشير الكاتب إلى أن السجال المشهور بين الغزالي وابن رشد لم يكن الوحيد؟ ولكنه ربما كان الأشهر والأعمق بين سجالات نتواصل في ثقافتنا حول كيفية التعامل مع الفلسفة…، مستدركاً: ومهما يكن من أمر فإن هذه الأوراق الفلسفية التي توغل في استرسالاتها إنما جاءت ضمن جهد، كما المحاولات العربية الأخرى، ليمثل مسعى آخر للتفاعل مع المنجز الفلسفي العالمي تعرفاً وتعريفاً، وهو يقسم بقسمين هامتين لابد للقارئ من الوقوف عليها، الأولى أن من قام به عدد محدد وجداً من الشباب المتطلع إلى المعرفة والإنجاز؛ والثاني، وهذا الأهم، أنه ينهض في بيئة غير مشجعة، فما يعرفه الجميع كما أبناء المحيط السعودي، أن كلمة فلسفة، المزعجة، والمخيفة للكثيرين في المملكة، هي أبعد ما تكون من المناهج العلمية في هذا البلد، وبالتالي وعن مشهده الثقافي.
ويؤكد الكاتب أن الهاجس الذي حرّك هذه المجموعة من الشباب المثقف لتكريس جهودهم في التعرف على الفلسفة والتعريف بها، أن الفلسفة، كما أدرك هؤلاء، وكما يتضح من مجمل الأوراق التي يضمها هذا الإصدار، هي في لبّ المعرفة المعاصرة كما جاءتنا من الحضارة الغربية… هي الأمسّ الذي نهضت عليه العلوم الحديثة، بحثها وتطبيقها وإنسانيها، مثلما كانت في العهد اليوناني، ومثلما كانت أيضاً لدى العرب والمسلمين حين تبنوا منجزات الحضارة اليونانية ابتداء من القرن الثاني الهجري/ الثامن الميلادي.
أبحاث معمقة
إن المتأمل في محتويات هذا الإصدار -بحسب الكاتب- سيدهش لتنوعها ولما اتسم به مجملها من جدية وعمق، وقد توزعت هذه المحتويات على خمسة أبواب، تخصص ثلاثة منها في موضوعات كبرى، واختلف اثنان في كونهما يضمان أوراقاً بحثية متفاوتة الاهتمامات؛ الأبواب المتخصصة اشتملت على أوراق حول الفلسفة العربية الإسلامية، تمحورت ثلاث منها والتي كانت أوراق بحثية لكل من عبدالله المطيري وعبدالرحمن الحبيب، حول الكندي بوصفه شخصية مفصلية في تطور الفكر الفلسفي العربي الإسلامي تؤرخ بعمله بداية الاشتغال الفلسفي لدى العرب والمسلمين سواء نظرنا إلى ما سبقه أو إلى عمله أو نظرنا إلى ما تلاه، كالمؤتمرات اليونانية التي تناولها بالبحث حمد الراشد.
أما البابان الآخران فيتصل أحدهما بشخصية مفصلية أخرى، لكن في السياق الأوروبي / الغربي الحديث وهو الفيلسوف الألماني هيغل، في ورقتين بحثيتين من إعداد سليمان السلطان وعبد الله النفيعي، ويتصل الباب الثاني بتيار ضخم من تيارات التفلسف الأوروبي الحديث: الوجودية، هذا التيار تتناول أربعة باحثين: خالد الغنامي حول الوجودية في القرن العشرين، وسليمان السلطان حول سارتر، وحمد الراشد حول الموجود واختلاف الوجود، وسليمان السلطان مرة أخرى في بحث آخر حول هيدجر وأخيراً يبقى الحديث عن البابين الأول والأخير لاختلاف موضوعاتهما وطرافة بعضها.
اهتمام محدود بالفلسفة اليونانية
ويلفت الكاتب الانتباه في هذه الأوراق البحثية إلى أن الفلسفة اليونانية لم تجد مكاناً خاصاً بها في هذا الكتاب سوى في هذين البابين، ورقة عبدالرحمن الحبيب حول سقراط في الباب الأول، وورقة حمد الراشد حول أفلاطون في الباب الخامس والأخير، إلى جانب بحث تناول أبوي الفلسفة اليونانيين معالجة سليمان السلطان المختلفة في كونها تسعى للمفر في موضوع الثقافة السعودية وذلك في ورقته حول «الضمك في المجتمع السعودي»، كذلك في ورقة مشاريع الوقيان اللافتة بعنوانها «مشكلة دريدا»، غير أن الباب الأخير يطالع القارئ أيضاً بمسعى عبدالله المطيري لاستحضار عملاق الفلسفة الأوروبية الحديثة كانط، وورقة عبدالله النفيعي المتميزة بتناولها للبعد الإيديولوجي للفلسفة.