كتب - هشام الشيخ:
قال مستشار جلالة الملك للشؤون الدبلوماسية، رئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة د. محمد عبدالغفار “إن المتغيرات الإقليمية والدولية وما يصاحبها من تجاذبات واستقطابات لمصالح القوى الفاعلة على الساحة الخليجية تفرض تبني استراتيجيات جديدة تتواكب مع هذه التحولات”.
وأكد عبدالغفار أن التحولات التي يشهدها العالم العربي ومناطق أخرى من العالم تحتم على الدول والمنظومات الإقليمية مواجهتها بإستراتيجيات مستحدثة تتواءم وعظم تلك التحولات، خاصة وأن بعض تفاعلاتها أصبحت تشكل مهددات للأمن الداخلي والأمن الإقليمي لدول مجلس التعاون، مشيراً إلى مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز للانتقال من مرحلة التعاون الخليجي إلى مرحلة الاتحاد، باعتبارها تحولاً في الفكر الاستراتيجي لدى دول المجلس يتناسب مع ضرورات الأمن الوطني والأمن الإقليمي لهذه المنظمة المهمة.
وأوضح مستشار الملك، خلال افتتاح مؤتمر أمن الخليج الذي ينظمه مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة على مدار يومين بحضور حوالي 200 من الخبراء وبالتعاون مع المعهد الملكي البريطاني للدراسات الدفاعية والأمنية، أن هذه الفكرة تمثل توجهاً استراتيجياً لدى قيادات دول مجلس التعاون بدعم من شعوبها التي تطمح إلى تحقيق التلاحم في مواجهة تحديات مشتركة جديدة لم تألفها المنطقة من قبل، وأضاف أن تلك الدعوة تعد إدراكاً واعياً من قبل العاهل السعودي بعمق التحولات الراهنة في المنطقة التي يجمعها هدف واحد ومصير مشترك.
وأضاف أن المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها المنطقة لا تقل أهمية عن التطورات السياسية؛ الأمر الذي يحتم على دول المجلس أن تبادر إلى تطوير برامج التنمية البشرية وتبني الإصلاح الاقتصادي الشامل؛ والاهتمام بقطاعات الثقافة والفكر؛ مشيرا إلى أن دول المنطقة أحوج ما تكون إلى نهضة فكرية تسهم في وضع أسس جديدة لحراك مجتمعي قادر على الانعتاق من الموروثات السلبية المؤثرة على تماسك المجتمع، وطرح معطيات جديدة تتناسب مع مستوى التحولات التي تمر بها المنطقة.
ودعا عبدالغفار إلى الاستفادة من دروس التاريخ عندما أعترى مدارس الفكر التقليدية القصور في التأقلم مع مستجدات المرحلة؛ إذ شهدت الساحة الغربية حراكاً فكرياً شبابياً في حركتي مارس ومايو عام 1968 والتي قاد فيها الجيل الشبابي من طلبة الجامعات حركة فكرية تنتقد المدارس الفكرية التقليدية التي لم تتمكن من مواكبة المستجدات آنذاك.
ولفت المستشار إلى نجاح هذه الحركة في توعية شعوب الغرب بضرورة الخروج من بوتقة المدارس السياسية المنغلقة على نفسها إلى آفاق الإبداع والتجديد، وطرح معطيات فكرية جديدة خارج التصنيفات التقليدية التي مزقت المجتمع ومنعته من التطور والتحديث. وذكر أن الشعوب العربية بحاجة اليوم إلى نهضة فكرية تتخطى الموروثات السلبية التي مزقت أواصر المجتمعات وشتتها على أسس مذهبية وعرقية، وأن تؤسس لظهور مدارس فكرية جديدة تتحرر من التأثير السلبي للإيديولوجيات المتطرفة والجماعات المتشددة، بحيث تبنى على أسس المواطنة في إطار التنمية السياسية والاقتصادية.
وأشار إلى ضرورة متابعة المستجدات ودراستها بعمق وفهم استراتيجي لتقصي تأثيراتها على الأمن الإقليمي في منطقة الخليج العربي، وبين أن المؤتمر سيناقش قضايا تتعلق بالمستجدات الأمنية والمسائل بالغة الأهمية بالنسبة للأمن الوطني والأمن الإقليمي لدول التعاون، كما ستتناول جلساته مناقشة سبل تعزيز آليات التعاون بين دول المجلس؛ انطلاقاً من معاهدة الدفاع المشترك التي هدفت إلى تحقيق التكامل الأمني والعسكري، وبخاصة على صعيد الأمن الجماعي، من خلال ربط مراكز عمليات القوى الجوية والدفاع الجوي بدول المجلس آلياً، وربط القوات المسلحة في دول المجلس بشبكة اتصالات موحدة، فضلاً عن تعزيز قدرات الدفاع الجوي بمختلف أنظمة الدفاع الصاروخية، وفق الاستراتيجية الدفاعية الشاملة التي تم اعتمادها في قمة الكويت عام 2009، إضافة إلى ما تم إقراره في الاجتماع الأخير لدول المجلس فيما يخص تأسيس مركز إقليمي بحري عسكري مشترك تناط به مسؤوليات متعددة تتعلق بأمن البحار، والبيئة البحرية، والمرور الحر، وإنقاذ السفن، والتعامل مع الكوارث، وكل ما يتعلق بأمن الملاحة في الخليج العربي.
كما أوضح أن جلسات المؤتمر ستستعرض تأثير المستجدات الإقليمية على الأمن المحلي، ودور القوى الدولية الفاعلة في المنطقة، وواقع السياسة الأمنية للولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة ومستقبلها، وتأثير ذلك على دول المجلس التي أبدت موافقتها المبدئية على دراسة مشروع إنشاء درع صاروخية في المنطقة، فضلاً عن تنامي اهتمام بريطانيا بتطوير علاقاتها الأمنية والدفاعية مع دول المجلس.
وقال إن المؤتمر سيتناول كذلك علاقات إيران بدول المجلس باعتبارها دولة مهمة في المنطقة، مشيراً إلى أن الاختلاف بينها وبين دول المنطقة والمجتمع الدولي في كثير من القضايا يتطلب حواراً جاداً حول إيجاد آليات تفاهم مشترك بهدف تحقيق الاستقرار والسلام الدائم في الخليج العربي ومنطقة الشرق الأوسط.
وأوضح المستشار أنه لا يمكن أن يتحقق ذلك إلا إذا كانت إيران راغبة في التعاون مع الأسرة الدولية لحل مشكلة ملفها النووي، وتغيير سياساتها الخارجية تجاه جيرانها، بعيداً عن استخدام أدوات تقع ضمن دائرة التدخل في الشؤون الداخلية لتلك الدول، وتوظيف الخلافات الإيديولوجية، ومد الشبكات التابعة لها في نطاق دول أخرى ذات سيادة مما يهدد أمن هذه الدول واستقرارها.
كما أشار إلى أن المؤتمر يتناول كذلك تأثير الأحداث الإقليمية على الأوضاع الأمنية في الخليج العربي؛ حيث تواجه الدبلوماسية الخليجية تحديات غير مسبوقة تتمثل في ضرورة ترسيخ العمل المشترك لاحتواء الأزمات السياسية التي تواجهها بعض دول المنطقة، والعمل على تقليل مخاطرها الاجتماعية والاقتصادية، في الوقت الذي تواجه فيه العديد من الدول العربية صعوبات في سبيل تجاوز أزماتها السياسية، وتحقيق الأمن والاستقرار، في ظل تزايد نشاط جماعات التطرف التي تجد من الفوضى السياسية في المنطقة مناخاً خصباً لتوسيع دائرة شبكاتها. ويتعرض المؤتمر كذلك لتحليل الدور المتنامي للقوى الفاعلة خارج إطار الدول، والتي تطور نفوذها وازداد تأثيرها في السياسات الإقليمية والدولية على نحو غير مسبوق، وذلك من خلال تناول ظروف نشأة هذه القوى، والمشكلات التي ارتبطت بظهورها وتعاونها مع بعض القوى الأجنبية دون أن تضع الأهداف الوطنية بعين الاعتبار.
وناقش المؤتمر خلال جلسات العمل في اليوم الأول السياسات الأمنية الغربية في منطقة الخليج العربي، وتعزيز آليات التعاون بين هذه الدول في ظل المستجدات التي تشهدها المنطقة العربية، كما تناولت الجلسات العلاقات المستقبلية بين الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، ومنطقة الخليج، إلى جانب دور الغرب ومشاركته في استقرار منطقة الخليج ومدى تأثُّر العلاقات التاريخية بالتطورات والأحداث الأخيرة في المنطقة العربية، وما إذا كان الغرب لا يزال يملك المقومات لأن يكون الضامن الأمني للمنطقة.
وركزت إحدى الجلسات على قضية “الإسلام السياسي” في ضوء المستجدات والأحداث الأخيرة في المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط، إضافة إلى مسألة الهوية الدينية والوطنية ونقاط الالتقاء والتقاطع، ومفهوم الإسلام كأيدلوجية ومدى إمكانية إندماجها مع مفاهيم الدولة المدنية الحديثة، وانعكاسات نمو التيارات الإسلامية في العلاقات مع الغرب.
وناقشت جلسات المؤتمر في محور آخر التطورات السياسية بالمنطقة وتأثيراتها على التعاون بين دول الخليج العربية خاصة في المجال الدفاعي، وطُرحت في هذا المحور تساؤلات عن إمكانية الاستفادة من العمل مع الاتحاد الأوروبي، وتعزيز آليات التعاون العسكري مع دول حلف شمال الأطلسي وغيرها من الدول.
وسيناقش المؤتمر في يومه الثاني توتر الأوضاع في كل من سوريا والعراق وتأثيرات ذلك على المنطقة، وكذلك علاقات إيران بدول مجلس التعاون الخليجي باعتبارها دولة مهمة في المنطقة، والحاجة لإيجاد أرضيات مشتركة وآليات تفاهم تسهم في تحقيق الاستقرار والسلام الدائم في الخليج العربي ومنطقة الشرق الأوسط، كما يبحث دور وسائل الإعلام التقليدي والاجتماعي.