غمرت الإعلام المحلي البحريني وجغرافيا مهمة من الإعلام العربي والعالمي، كتابات توحي أن ثمة تبدلاً في الموقف، وبالتالي في السلوك الأمريكي والإيراني وأدواتهما المحلية في المنامة من النظام في البحرين، ومن توجهاته الوحدوية مع دول الخليج، أو نحو السعودية تحديداً، بل وصل الأمر ببعضهم حد القول بقلب صفحة التآمر، والبدء بقراءة صفحات الحوار وما إلى ذلك، من قراءات لعناوين الخطاب المعلن لأطراف التآمر الثلاثة التي تتحرك علناً منذ 14 فبراير 2011.

وفي الحقيقة فإنه ليس ثمة من تبديل جوهري في مواقف هذه الأطراف، وإنما هناك تغيير في مواقع الرصد والانطلاق وتمويهها، وثمة انتقالات في تكتيكات المرامي، مع ثبات الإستراتيجية، وتلون حرباوي، يتمظهر في استجابات خادعة لدعوات مخلصة، صادقة التوجه لدى النظام البحريني الذي ما انفك تاجه يلعب دور الثقل الموازن لعموم الاستقطابات، وفنار الليل الهادي لمكونات الشعب البحريني، على الرغم مما تلقي به كلاكلها على ساحله الرحب من زبد.

الأمريكان ووهم تبدل الموقف

الموقف الأمريكي من أية قضية كانت، تحدده سياسة عليا، مرسومة بدقة، تتشارك فعالياتها مؤسسات دولة الاتحاد، وهي لا تتبدل بقرار آني، مع إمكانية تغيير الموقع والخطاب، لدواعي تغير الظرف والتحدي واستجابة له، وعليه فإن خطاب الإصلاح الذي تتداوله أدوات السياسة والإعلام الأمريكية، ليس فيه أي تبدل أو انقلاب كما يتوهم بعضهم، في تعامله مع أزمة البحرين راهناً ومنذ نشبت، إن صحت تسمية ما يجري في البحرين أزمة، واستجابة للشائع الإعلامي، فالتسمية الحقيقية لما يحدث في البحرين منذ 14 فبراير من العام الماضي، هو مؤامرة أمريكية – إيرانية لتغيير النظام بأدوات محلية طائفية حليفة أو عميلة لا فرق، إذ أنها في الأحوال كلها قدمت ولاءها الطائفي على ولائها للوطن، وخرقت القانون في اعتمادها نقض العهد والعقد الاجتماعي العام، بالسعي لتغيير النظام بمختلف السبل بما في ذلك القوة المسلحة والاستعانة بالأجنبي، وهو ما لا تغفره لأحد من رعاياها دول عالم اليوم ومن ضمنها أمريكا.

قراءة الموقف الأمريكي

ويمكن قراءة الموقف الأمريكي راهناً في حديث نائب مستشار الأمن القومي الأمريكي بن رودز، لصحيفة (الشرق الأوسط) مؤخراً، مع إهمال موافقة الإدارة الأمريكية على تزويد البحرين من جديد بالسلاح، عند القراءة كعامل إيجابي في الموقف الأمريكي لأنه موقف مظهري لا يمس جوهر التوجهات، وله انعكاساته المحدودة لتوفير بيئة موائمة لتنفيذ صفحة أكثر تقدماً من صفحات المرامي، وهو السلوك الذي عده الكثيرون مؤشراً على تبدل الموقف الأمريكي من النظام البحريني ومن عموم الأزمة أو الصراع أو المؤامرة على البحرين.

ولا بد لقراءة جدية صائبة لهذا الحديث أن تعتمد الأسس التي ذكرنا في صياغة الموقف الأمريكي أولاً، وفي مقدمتها القراءة في ضوء اتجاهات المصلحة الأمريكية، من دون اعتبار للأبعاد الأخلاقية والموقع من وثائق واتفاقات علنية وسرية، والبروتوكولات المثبتة وتلك التي تعتمد فكرة التزام الجنتلمان، وطول الصحبة أو الشراكة أو التحالف، ولابد لي هنا من استحضار موقف شخصي مع ركن مهم من أركان السفارة الأمريكية في المنامة، هو الملحق السياسي الأمريكي، الذي حضرت له ندوة في مجلس الدوي بالمحرق، وكانت الندوة مخصصة للموقف الأمريكي من المؤامرة على البحرين ومن أطرافها – إيران وما يسمى بالمعارضة الراديكالية، وفي حينها طرحت السؤال التالي على السيد الملحق: ما تعريفكم لمعارضة أي نظام في أية جغرافيا وفي ضوء أية قواعد يتم هذا التعريف؟ فقد رأيتكم في حالة العراق تعرفون لصوصاً هربوا من ملاحقات النظام السابق، على أنهم معارضة، في حين وصفتم المقاومة العراقية التي تعارض الاحتلال والعمالة للأجنبي وتطالب باستقلالية حقيقية وديمقراطية جدية، مع اعترافكم بحق العراقي بمقاومة الاحتلال، بأنها أعمال إرهابية، ما يلقي بظلال كثيفة من الشك على تعريفاتكم لمفهوم المعارضة، أود أن تزيلوا هذه الشكوك في ما لا يخص تعريفكم للمعارضة في البحرين؟ وكما هو متوقع، هرب الملحق السياسي في السفارة من الجواب، ما دفعني إلى مغادرة الندوة.

وما أخلص منه في هذا الموقف، أن تعريف الإدارات الأمريكية على تعاقبها واختلاف ألوانها للمعارضة في بلد في هذا العالم، إنما يتم في ضوء الرؤية الأمريكية التي تحددها مصالح الاتحاد، من دون اعتبار لأية ظلال أخرى يمكن أن تسقط على المشهد أو الصورة، وهو ما يمكن تعميمه على مضمار السياسة الأمريكية في أبوابها كلها، وبخاصة في ساحة العلاقات الخارجية، وهكذا يمكن قراءة رصف بن رودز في حديثه المذكور أحداث التآمر الطائفي على البحرين، على رصيف الربيع العربي، مع التخفيف الدبلوماسي لوقع هذا الرصف بالتلاعب بالمفردات، واستبدال مقولات التغيير وخطابه بالخطاب الإصلاحي، اقرأ هذه العبارة: “إننا نسعى لاستخدام شراكتنا لتمكين القوى داخل البحرين التي تحاول العمل على قضايا صعبة جداً بطرق سلمية وفعالة في صفوف الحكومة والمعارضة.

أعتقد أنه بإمكاننا أن ندعم جهود الإصلاح” ويمكن مناقشة هذه الأقوال واقعاً في ضوء سلوك السفارة الأمريكية أو ممثلية خارجية الاتحاد الأمريكي في المنامة من قضية نبيل رجب على سبيل المثال، وهي أبسط ما يمكن إيراده هنا لكشف حقيقة الإصلاح المطالب به أمريكياً، فالرجل القي القبض عليه بتهمة المشاركة في تظاهرة غير مرخصة، وعلى وفق القانون، فتلك مخالفة قانونية تستوجب الاعتقال والمساءلة، لكن السفارة الأمريكية ضربت القانون عرض الحائط واحتجت على اعتقال رجب، وطالبت بالتحقيق في الأمر؟ فهل هذا سلوك يصب في مجرى الإصلاح وخطابه الذي ترفع الإدارة الأمريكية عقيرتها به اليوم؟

كيف يمكن أن يتساوق الإصلاح ومخالفة القانون؟؟ في العرف الأمريكي كما يبدو واضحاً فإنهما يتوافقان، لأن مصلحة الاتحاد التي نقرأ خطها اليوم في (تمكين!!) القوى الطائفية المحلية (الحليفة)، من بسط مدها على بر البحرين، هذا هو مفهوم التمكين الأمريكي واقعاً، كما ترسمه الأحداث في المنامة، وهذا هو مغزى قول رودز: “اتخذ الرئيس أوباما قراراً في مستهل العام 2011 بأن يقف بحزم مع قوى الإصلاح والتغيير الديمقراطي في المنطقة” وموقف الرئيس أوباما الذي يشير إليه رودز هو ما ذكره عن جمعية (الوفاق) إيرانية الهوى، إن لم أقل التوجهات والتبعية، أي بمعنى أن رودز يؤكد ألا تبدل في الموقف الأمريكي منذ إعلان تنفيذ صفحات المؤامرة على البحرين في فبراير من العام الماضي، إذ نزهت الوفاق وحسن مشيمع وإعلانه الانقلابي في الدوار، من التبعية لإيران وتنفيذ أوامرها بحسب روبرت غيتس، الذي انطلق من ذاك الخط ومن يومها في ابتزاز النظام البحريني بمنطق الإصلاح الأمريكي، وأقول الإصلاح الأمريكي لأني أفهم الإصلاح في الأدبيات السياسية العالمية الأخرى بتعريفات غير التعريف الأمريكي، وهو ما يؤكده قول رودز: “أعتقد أننا نقر بأن كل دولة مختلفة، وأن كل دولة ستتغير بنمطها الخاص وبطريقتها الخاصة”، أو بعبارة أدق أن كل دولة أو أمة أو كيان سياسي له جدليته الخاصة في التغيير والإصلاح بحكم البيئة والنشأة والتكوين والتاريخ والثقافة ومؤثرات أخرى عديدة، فلماذا تخرج الإدارة الأمريكية البحرين من هذه الدائرة وتفرض عليها –سلوكاً- رؤيتها الخاصة للإصلاح؟ أو الإصلاح بالمفهوم الأمريكي؟؟ أليس هذا هو القسر بعينه أو التآمر، وبخاصة حين أضيف وسائله وتوقيتاته؟؟

الإصلاح الأمريكي الذي يتحدثون عنه يمكنني أن أورد توصيفا رائعا له بقلم الزميلة المبدعة سوسن الشاعر التي قالت:

«أثارني ما قاله بين رودز نائب مستشار الأمن القومي الأمريكي بأن الولايات المتحدة الأمريكية تدعم الإصلاح! إصلاح؟ إصلاح؟! أي إصلاح هذا الذي دعمتموه في البحرين؟ لقد كنتم كالثور الذي يتحرك في محل لبيع الكريستال، لقد أفسدتم علينا حياتنا!!”

تغيير التكتيك وثبات الاستراتيجية

ويمكننا قراءة الموقف الإيراني من خلال تصريحات المسؤولين الإيرانيين، على غرار ما فعلناه مع الموقف الأمريكي، ويمكن الانطلاق من موقف إيران من فكرة اتحاد الخليج العربي، أو بالتحديد من فكرة اتحاد البحرين مع أي بلد أو منظومة خليجية، وبدقة أكثر من فكرة أي شكل من أشكال الاتحاد بين البحرين والسعودية على وجه الخصوص، إذ صرح الناطق باسم الخارجية الإيرانية: “إن مشروع الاتحاد السعودي البحريني يعني زوال البحرين ذات الأكثرية الشيعية!!”.

وأضاف: “ننصح قادة البحرين بتغيير نهجهم وبعدم تعقيد الوضع بمشاريع مماثلة”!! ووصف آية الله كاظم صديقي في خطبة الجمعة هذا الاتحاد بأنه “مؤامرة لضم البحرين إلى السعودية”.

وأضاف أن القادة السعوديين والبحرينيين “يسمونه اتحاداً لكنهم يريدون أن تفقد البحرين هويتها بدلاً من تلبية مطالب سكان شعبها.. إنها مؤامرة أمريكية صهيونية ويجب أن يعرفوا أن الإيرانيين والشعوب المسلمة في العالم لن يسمحوا بهذه المؤامرة”.

ومن يفهم أبسط مبادئ ألف باء السياسة سيقرأ في هذه الرسالة تدخلاً صارخاً في الشأن الداخلي البحريني.

والرفض الإيراني لفكرة الاتحاد الخليجي انطلق رسمياً مع أول دفعات الإعلان الإعلامية عنه وقبل أن تبدأ أعمال القمة الخليجية التشاورية بالرياض، إذ قال الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية إن “مشروع إقامة اتحاد بين السعودية والبحرين قد يفاقم الأزمة البحرينية”.

ونلاحظ تخصيص فكرة الاتحاد بين البحرين والسعودية مع أن المنطلقات الإعلامية كانت تتحدث عن اتحاد خليجي ينتقل بدول مجلس التعاون من حالة التعاون إلى حالة الاتحاد، على وفق مقترح العاهل السعودي في قمة الرياض الخليجية الأخيرة، وقال في بيان خاص بهذا الشأن إن “أي نوع من التدخل الأجنبي من دون احترام صوت الشعب لن يؤدي إلا إلى تعميق الجروح الموجودة” وأضاف إن “حل الأزمة في البحرين يتطلب إيلاء الأهمية للمطالب المشروعة للشعب والاستجابة لها”.

ومن الواضح أن تخصيص البحرين والسعودية، مقصود ومتعمد، ذلك أن إيران نظرت إلى دعوة الاتحاد الخليجي من منظور رؤيتها التاريخية للبحرين وفي ضوء أطماعها فيها، فإيران بكل تمظهراتها – الرسمية والدولية، لم تتخل عن فكرة ضم البحرين إلى الكيان السياسي الإيراني، وعدّ الإيرانيون أن دعوة الاتحاد تخص البحرين فقط وأن الهدف منها دفن الحلم الإيراني فيها إلى الأبد.

ومن يقرأ التحليلات والكتابات الصادرة بهذا الشأن تعقيباً على فكرة الاتحاد، سيبرز أمامه في كل مرة رد أسباب الرفض الإيراني لوحدة البحرين مع أية منظومة خليجية أخرى، إلى الادعاءات الأسطورية التاريخية التي تشير إلى أن شاه إيران محمد رضا بهلوي كانت له مطالب محددة عقب الانسحاب البريطاني من الخليج تتعلق بضم البحرين والجزر الإماراتية الثلاث وأنه بعد مفاوضات ووساطات وافق على تقليص مطالبه في ضم الجزر الثلاث والتخلي عن مطلب ضم البحرين شرط ألا تنضم البحرين إلى دولة أخرى؟؟ ويقولون: إن هذا الشرط جرى القبول به وهو ما دفع البحرين وقتها إلى الانسحاب من اتحاد الإمارات العربية (الاتحاد التساعي الذي كانت تجرى المفاوضات لإقامته) وهذا محض وهم وفذلكة ففي ذلك الوقت جرى الاستفتاء التاريخي الأممي على مصير البحرين، وصوّت الشعب البحريني للاستقلال.

وهذا هو السبب الخرافي في اتهام خميني لنظام الشاه بارتكاب (خيانة إسلامية) بتنازله عن البحرين، واتهام الشوفينيين الفرس له بارتكاب (خيانة قومية)، وهذا هو الخط الاستراتيجي الإيراني في الموقف من البحرين، ولن يتبدل أبداً، وما يمكن الحديث عنه بهذا الشأن هو تغيير الموقع، أو بالمفهوم العسكري -إعادة الانتشار- استجابة لما تفرضه تحديات الراهن، وما زالت إيران تفكر -حتى هذه اللحظة- بإمكانية نجاح مؤامرتها على البحرين.

وإيران في استراتيجيتها الخليجية، أو طموحاتها في الخليج، تنظر إلى البحرين نظرتها إلى كعب أخيل الخليجي، والمفتاح الإستراتيجي الأعظم للإقليم والأرخبيل العربي ودوله، وحصان طروادة الأمثل لتهشيم الكيان السعودي، ويمكننا هنا أن نستعيد توقيع تسعين نائباً في البرلمان الإيراني بياناً يطالب باتحاد البحرين وإيران، ونسأل الإيرانيين على وفق منطقهم نفسه: إذا كنتم تقولون بأنه لا يمكن قيام اتحاد بين البحرين الصغيرة والسعودية الكبيرة، فكيف يمكن أن يقوم اتحاد بين إيران والبحرين؟؟ أليس هذا هو الضم والاحتلال؟؟ وإذا كانت العروبة قاعدة يمكن أن تبنى عليها الكيانات السياسية العربية، فإنه لم يحدث ولن يحدث أبداً أن تكون الطائفية قاعدة تبنى عليها كيانات سياسية مختلفة الأعراق والقوميات إن لم تكن هذه الكيانات قائمة على الضم بالقوة والاحتلال، شأن الكيان السياسي الإيراني راهناً، إذ تقبع شعوب عدة تحت هيمنة التسلط الفارسي بذريعة وحدة الطائفة، بل وحتى من دونها، كما هو الحال مع البلوش والأكراد على سبيل المثال.

إن جميع مساعي إيران التي جرى الإفصاح عنها أو إلباسها أثواباً تغطي حقيقتها، يمكن تحديدها في هدف مركز بتكثيف شديد في بعد زمني ممتد، يرى بعضهم أنه خمسيني كما نوه كثيرون، هو تحجيم خيارات البحرين، لأسر إرادتها السياسية، وحصرها في خيار واحد هو الرضوخ لطلبات الدرنات الإيرانية في الداخل، المتلبسة ثوب المعارضة الراديكالية كما يسميها بعضهم، والتي تتلخص في احتلال البحرين من الداخل كما سبق أن ذكرنا في أوراق سابقة، فثوابت إيران تجاه البحرين هي أن مؤامرة فبراير لم تفشل بعد، وإن تعاملت معها بردود أفعالها على هذا الأساس، وانطلاقاً من خطوط الفشل، وهو ما يجعل الرد الإيراني أكثر خطورة، فهي ترى أن فرص النجاح مازالت قائمة، وهذا يعني بكل بساطة استمرار وديمومة التآمر، وهو ما نلمسه في سلوكية عملائها ودرناتها وأدواتها المحلية في البحرين، وإيران وبصفة مشددة ومركزة الآن، وفي ظل خسائرها الإقليمية في سوريا ولبنان والعراق، تعد تنفيذ مؤامرتها على البحرين ونجاحها، نقطة التراكم الكمي الفاعلة والسحرية، التي سيحدث عقبها التغيير النوعي، في الوضع في الخليج العربي، بخاصة، وإقليم الشرق العربي بعامة، وفي سوريا بصفة أكثر تحديداً، وتلك هي المعركة التي تعدها إيران معركة مصيرية وحاسمة، في ساحة أطماعها ونفوذها وبنائها الأيديولوجي حتى، وفكرة تعميم الأنموذج الإيراني عربياً عبر فعاليات الربيع العربي، التي فشلت إيران في احتوائها ولو بخطوة واحدة، في تونس ومصر وليبيا واليمن، وهي الآن تقاتل الجميع كي لا تخسر قلعتها السورية، لذلك فأن المبدأ العسكري القائل بالقتال في جغرافيا بعيدة، يمكن أن يخفف الضغط عن جغرافيا محددة، هو ما تطبقه إيران الآن في الخليج لتخفيف الضغط عن سوريا، ووسيلتها في ذلك هي ما يسمى بالمعارضة في البحرين، ويمكن قراءة شدة اندفاعها هنا، بما كشفته التحقيقات مع الخلية الإرهابية الإيرانية التي فضحتها قطر في البحرين، من استعدادات داخلية للتحرك بقوة السلاح، أو التغيير بالقوة، كذلك يمكننا استذكار تهديدات علي سلمان -شيخ الوفاق- بإعلان الحرب على اتحاد البحرين والسعودية، وتصريحه المبطن المعروف حول (تحطيم القلعة!!) ويمكن أيضاً قراءة تحدياته في قيادته مسيرة توبلي التي لم ترخصها الداخلية، وهتافه فيها: “لقد أوصلنا الرسالة”، والرسالة واضحة وتبدأ من تحدي النظام وقدرته على تنفيذ القانون وأحكامه؟؟

الاتحاد الخليجي

إيران إذن لم تبدل إستراتيجيتها تجاه البحرين، وإنما غيرت تكتيكاتها، وهذا هو سر تغيير الجمعيات السياسية التابعة لها في البحرين تكتيكها هي الأخرى، وإعلانها قبولها للحوار الذي مازال عاهل البلاد المفدى يكرر عرضه عليها، من دون شروط مسبقة، وجاء هذا القبول، متزامنا مع إعلان إيران التكتيكي، تراجعها عن معارضتها لمشروع “الاتحاد الخليجي”، كما بيّن روح الله قهرماني سفير طهران في الكويت، وذكر في تصريح شكّل مفاجأة للكثيرين ممن ما يزالون يجهلون براغماتية إيران شديدة التلون، مساندة بلاده لوحدة الدول العربية والإسلامية، وبالتأكيد فإن مفاجأة القبول الإيراني هذه، غطت الشرط الموضوع له إذ اقترنت الموافقة والمساندة بنتائج استفتاء الشعوب، ولعمرك هل ثمة ما هو أوضح من هذا التدخل وفرض كيفية السلوك على دول مستقلة كما هو مفترض، وتعترف باستقلاليتها أم الأرض كلها؟؟

وبعبارة أدق، فإن الاشتراط الإيراني اعتمد موقف الجمعيات السياسية التابعة له حين اشترط موافقة الشعب البحريني على الوحدة مع السعودية، إذ أنه على يقين أنها في اللحظة المناسبة، سترفض مقترحات النظام كلها، وأنها لن تعتمد الحوار معه إلا على شرط الانصياع لطلباتها، وهو صاعق التفجير الموضوع سلفاً بأصابع إيرانية خبيرة.

وأول ما نقرأه هنا أن هذه الجمعيات الموافقة على الحوار ظاهراً بدأت تروج لفكرة الإصلاح السياسي الذي يجب أن يسبق الاتحاد، أو أنه ثمنه، وأنها لن تضحي بمكتسباتها، معتمدة نصائح الأمريكان بالتواؤم مع الأوامر والتوجيهات الإيرانية، فهل تبدل الموقف الإيراني؟ وهل تبدل موقف أدوات نظام ولاية الفقيه من البحرين ومن التآمر عليها؟ أم تغير الخطاب والأسلوب، تكتيكاً وبقيت الاستراتيجية ثابتة؟؟

بقلم ـ صافي الياسري