^«قضايا الدولة» قدم مذكرة بعدم قبول دعوة الطعن لعدم دستورية مسؤولية صاحب العمل
^«النيابة العامة» حملت المدعي سبب الأضرار ببعض الأفراد وعدم حمايتهم
^المتهمان خالفا شرط السلامة المهنية ولم يتخذا الاحتياطات اللازمة لحماية العمال
^النصوص المطعون فيها من قانون العقوبات تعاقب بالحبس أو الغرامة للمتسبب بالمساس بسلامة غيره
كتبت - زهراء حبيب:
رفضت المحكمة الدستورية برئاسة القاضي سالم الكواري، دعوى رفعها صاحب شركة حول عدم دستورية مواد من قانون العقوبات والعمل بالقطاع الأهلي الخاصة والقرار الوزاري الخاص بتنظيم الاحتياجات وحماية العمال في الأعمال الهندسية وبناء السفن، لعدم مخالفتها للدستور.
وأودع صاحب الشركة صحيفة الدعوى طالباً الحكم بعدم دستورية مواد الاتهام فيما يتعلق بالمسؤولية المفترضة لصاحب العمل، وهي المادة 343/1،3 من قانون العقوبات، والمادة 165 من المرسوم بقانون رقم 23 لسنة 1976 بإصدار قانون العمل في القطاع الأهلي، والمادتان 5 و49/1 من القرار الوزاري رقم 12 لسنة 1977 بشأن تحديد وتنظيم الاحتياجات اللازمة لحماية العمال في أعمال الإنشاء والهندسة المدنية وبناء السفن.
وقدم ممثل جهاز قضايا الدولة مذكرة طلب فيها الحكم بعدم قبول الدعوى لاتصال المحكمة بها بغير الطريق الذي رسمه القانون، ورفضها احتياطياً وإلزام الطاعن بالمصاريف.
وتتحصل الوقائع في أن النيابة العامة كانت اتهمت المدعي وآخر في الجنحة بأنهما تسببا في خطئهما في المساس بسلامة جسم بعض الأفراد، وعدم اتخاذ الاحتياطات اللازمة لحماية المجني عليهم “العمال” أثناء تأدية مهامهم، ولم يركبا الدعامات بواسطة مختصين، ما تسبب في إحداث الإصابات بالمجني عليهم الواردة بالتقرير الطبي.
وخالف المتهمان شرط السلامة المهنية، ولم يتخذا الاحتياطات اللازمة لحماية العمال في موقع العمل، ولم يركبا الهياكل والدعامات.
وأحالت الدعوى إلى المحكمة الصغرى الجنائية وأصدرت حكمها بحبس كل متهم شهراً وكفالة 200 دينار لكل منهما لوقف التنفيذ، وطعن المدعي على الحكم بالاستئناف، وقدم مذكرة دفع فيها بعدم دستورية النصوص المطعون فيها، فيما صرحت المحكمة للمدعي بإقامة الدعوى الدستورية.
ودفع ممثل جهاز قضايا الدولة بعدم قبول الدعوى لعدم اتصال المحكمة الدستورية بها بالطريق الذي رسمه القانون، على سند أن محكمة الموضوع لم تتطرق بالبيان للمواد المطعون بعدم دستوريتها وأوجه عدم الدستورية، وإنما اكتفت بإعادة الدعوى للمرافعة والتصريح للطاعن بإقامة دعواه، ولم تبحث جدية الدفع وتحديد المواد التي رأت مخالفتها للدستور، ومن ثم فإن اتصال المحكمة الدستورية بالدعوى افتقد أحد شرائط صحة الإجراءات الواجب اتباعها ما يتخلف معه شكلاً جوهرياً من التقاضي الذي رسمه المشرع.
وعقبت المحكمة الدستورية على هذا الدفع أن البين من أوراق الدعوى الموضوعية أن المدعي دفع في مذكرته المقدمة بعدم دستورية النصوص المطعون فيها، وتعارضها مع نص المادة 20 من الدستور فمنحته محكمة الموضوع أجلاً لرفع الدعوى الدستورية، وهو ما يفيد بالضرورة تقديرها جدية الدفع ولزومه للفصل في الدعوى الموضوعية المطروحة، وعليه فإن الدعوى اتصلت بهذه المحكمة وفقاً للأوضاع المقررة بالفقرة (ج) من المادة 18 من قانونها ويكون هذا الدفع على غير أساس.
وأوضحت المحكمة أن النصوص المطعون عليها هي المادة 343/3،1 من قانون العقوبات، وتنص على أنه “يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن سنة أو بالغرامة لا تتجاوز 100 دينار من تسبب بخطئه في المساس بسلامة جسم غيره”.
وتكون العقوبة الحبس أو الغرامة إذا نشأ عن الجريمة المساس بسلامة أكثر من 3 أشخاص، فإذا توفر ظرف آخر من الظروف الواردة في الفقرة السابقة تكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد عن 5 سنوات.
والمادة 165 من المرسوم بقانون رقم 23 لسنة 1976 بإصدار قانون العمل في القطاع الأهلي وتنص على “يعاقب كل من خالف أحكام الباب العاشر في شأن الأجور والقرارات الصادرة تنفيذاً له، والباب الحادي عشر في ساعات العمل والإجازات والقرارات، والباب الثاني عشر في شأن ظروف العمل والقرارات، والباب الثالث عشر في نظام العمل والجزاءات والقرارات، والباب الرابع عشر في شأن انتهاء العقد ومكافأة نهاية الخدمة، والباب الخامس عشر في التعويض عن إصابات العمل وأمراض المهنة والقرارات الصادرة تنفيذاً له، بغرامة لا تقل عن 50 ديناراً ولا تتجاوز 300 دينار”.
وتقام الدعوى على مدير المنشأة كما تقام على صاحبها إذا كانت الظروف تحمل على الاعتقاد بأنه لم يكن يجهل الوقائع المكونة للمخالفة.
وتنص المادة 5 من القرار الوزاري رقم 12 لسنة 1977 بشأن تحديد وتنظيم الاحتياطات اللازمة لحماية العمال في أعمال الإنشاء والهندسة المدنية وبناء السفن “يحظر تركيب السقالات أو تمديدها أو تغيرها أو فكها إلا بوساطة المختصين في تركيب السقالات وفكها، ويقوم ملاحظ السقالة بفحص جميع المواد المستعملة في السقالة وإجازتها قبل استعمالها، ويتولى الشخص المختص فحصها والكشف عليها فيما بعد مرة على الأقل في كل أسبوع”.
وتنص المادة 49/1 من القرار الوزاري رقم 12 لسنة 1977 يجب أن تتخذ كافة التدابير العملية باستخدام الشدادات أو المساند أو القوائم أو غير ذلك من وسائل التثبيت كلما كان هذا ضرورياً، لمنع تعرض أي شخص للخطر نتيجة انهيار أي جزء من هذه أو تلك قبل إتمام تشييد البناء أو الإنشاءات”.
وادعى المدعي على أن النصوص المطعون فيها خالفت المادة (2) من الدستور فيما نصت “دين الدولة الإسلام والشريعة الإسلامية مصدر رئيس للتشريع، ولغتها الرسمية هي اللغة العربية”، والمادة “20/أ ، ب ، ج، أنه “لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون، وأن العقوبة شخصية”.
وأشار المدعي في مذكرته الدفاعية إلى أن النصوص تلك تفترض مسؤولية مدير المنشأة لمجرد أنه مدير، رغم أن طبيعة عمله إشرافية بحتة على إدارة الشركة، فضلاً عن كونه مالك المشروع وليس من مهامه أو اختصاصاته الإشراف على العمل، والمادة (5) من القرار الوزاري المشار إليه لم تتضمن أي جزاء فهي مادة تنظيمية مما يخرجها من دائرة التجريم.
وأوضحت المحكمة في حيثيات حكمها أن المشرع عمد أحياناً ـ من خلال بعض القوانين واللوائح - إلى تقرير جرائم عن أفعال لا يتصل بها قصد جنائي باعتبار أن الإثم ليس كامناً فيها، ولا تدل بذاتها على ميل إلى الشر والعدوان وإنما ضبطها المشرع تحديداً لمجراها وحداً من مخاطرها وإخراجها بذلك عن مشروعيتها، وجعل عقوبتها متوازنة مع طبيعتها، فلا يكون أمرها غلواً من خلال تغليظها.
وأفادت أن هذا الاتجاه بدأ يتصاعد إثر الثورة الصناعية التي تزايد معها عدد العمال المعرضين لمخاطر أدواتها وآلاتها ومصادر الطاقة التي تحركها، واقترن ذلك بتعدد وسائط النقل وتباين قوتها، وبتكدس المدن وازدحام أحيائها، وبغلبة نواحي الإخلال بالصحة والأمن العام والسكينة العامة، وكان لازماً بالتالي ـ لمواجهة تلك المخاطر ـ أن يفرض المُشرع على المسؤولين عن إدارة الصناعة والتجارة والتشييد، وخلافها من الأنشطة، قيوداً كثيرة غايتها أن ينتهج المخاطبون بها سلوكاً قويماً موحداً، ببذل العناية التي يتوقعها المُشرع من أوساطهم، ليكون النكول عنها ـ بغض النظر عن نواياهم ـ دالاًّ على تراخي يقظتهم ومستوجباً عقابهم، لأنهم ـ لو لم يكونوا أرادوا الفعل لكان باستطاعتهم أن يتوقعوه لو بذلوا جهداً معقولاً، ومن ثم غدا منطقياً أن يكونوا مسؤولين عن هذا الفعل وتحمل الأضرار التي انتهجها.
وباعتبار النص المطعون عليه سلفاً هو نص جنائي إجرائي، اعتبر كلاًّ من مدير المنشأة وصاحبها مسؤولاً جنائياً عن الجرائم المنصـوص عليها في المادة (165) من قانون العمل في القطاع الأهلي، إذ ألزم القانون صاحب العمل أو من ينوب عنه أن يتخذ الاحتياطات اللازمة لحماية العمال من الأضرار الصحية، وأخطار العمل والآلات، وأن يوفر لهم خدمات وقايتهم من مخاطر العمل وأضراره، وكذلك وسائل الإنقاذ والإطفاء، وأن يحيط العامل قبل استخدامه علماً بمخاطر مهنته، ووسائل الوقاية الواجب عليه اتخاذها، فمؤدى ذلك أن مدير المنشأة وصاحبها مسؤولان عن الأعمال المُعيبة والمخالفة لاحتياطات الأمان اللازمة لحماية عمال المنشأة باعتبارهما مهيمنين عليها متصلَين بها مباشرَين في شأنها تلك السيطرة القانونية، التي يملكان بها ناصيتها ولا يكون ذلك إلا إذا غدا زمامها بيدهما، الأول بإدارة المنشأة والثاني بتملكها، فإذا لم يتخذا الاحتياطات اللازمة ولم يتحوطا لوقوع أية مخالفة في المنشأة حماية للعمال، أو أبقيا المخالفة على حالها ولم يبادرا إلى درء مخاطرها، فإن مقابلة هذا الامتناع بالغرامة المتصاعد مبلغها للحمل على تقويم هذه الأعمال ورد إعوجاجها لا يكون مخالفاً للدستور.
وأشارت إلى أن الأصل في الجريمة أن عقوبتها لا يتحملها إلا من أدين كمسؤول عنها، وهي بعد عقوبة يجب أن تتوازن وطأتها مع طبيعة الجريمة موضوعها، وهي كذلك بالنسبة إلى المخالفة المُشار إليها بما مؤداه أن الشخص لا يزر غير سوء عمله، وأن جريرة الجريمة لا يؤاخذ بها إلا جناتها، ولا ينال عقابها إلا من قارفها، وأن شخصية العقوبة وتناسبها مع الجريمة محلها، مرتبط بمن يعد قانوناً مسؤولاً عن ارتكابها، ومن ثم تفترض شخصية العقوبة ـ التي كفلها الدستور بنص المادة (20) ـ شخصية المسؤولية الجنائية وبما يؤكد تلازمها، باعتبار الشخص لا يكون مسؤولاً عن الجريمة ولا تفرض عليه عقوبتها إلا باعتباره فاعلاً لها، كما هو الحال بالنسبة إلى المتهم في الجريمة محل الدعوى الموضوعية باعتباره مرتكباً لركنه المادي في صورته السلبية المتمثل في الامتناع عن اتخاذ الاحتياطات اللازمة لحماية المجني عليهم أو شريكاً فيها، وإذا كان ذلك يعبر عن العدالة الجنائية في مفهومها الحق ويعكس بعض صورها الأكثر تقدماً، إلا أن ذلك لم يكن غريباً على العقيدة الإسلامية، بل بلورتها قيمها العليا، وعليه فإن النص المطعون عليه ـ في النطاق المحدد سلفاً لم يتضمن مسؤولية جنائية مفترضة، ولم يخالف حكمي المادتين (2) و(20) من الدستور أو أي حكم آخر.