في منتصف يناير 2012 قام رئيس الوزراء الصيني، وين جياباو، بجولة خليجية امتدت على مدى 6 أيام – تعتبر هي الأولى لرئيس وزراء صيني إلى المنطقة منذ عقدين من الزمان. وبالنسبة لبعض المراقبين، يمثل هذا الحضور إشارة إلى أن بكين شرعت في تقليص علاقاتها مع إيران وباتت تتطلع إلى تطويرها مع الدول الخليجية العربية الغنية بالنفط، علاوة على أنه من المعتقد أن الجولة استهدفت كذلك بعث الاطمئنان لدى كل من السعودية وقطر والإمارات بأن الصين تأمل أن تكون شريكاً رئيسياً لها في الأعوام المقبلة. وفي حديثة أمام مؤتمر الأعمال والاستثمارات العربية – الصينية، الذي عقد في الشارقة في 18 يناير، قال جياباو إنه ينوي تعزيز الثقة السياسية والتعاون والعمل من أجل المصالح المشتركة. وكانت مسائل الطاقة والبتروكيماويات في أعلى قائمة المسائل التي تم بحثها. وخلال زيارة المسؤول الصيني إلى المنطقة، تم توقيع سلسلة من الاتفاقيات، شملت صفقة بين الشركة السعودية للصناعات الأساسية «سابك» والشركة الصينية للنفط والكيماويات «سينوبك»لإقامة مصنع بتروكيماويات جديد. وتم توقيع اتفاقية تعاون استراتيجية بين شركة نفط أبوظبي الوطنية «أدنوك» ومؤسسة النفط الوطنية الصينية لإقامة مشروع للصناعات المكملة في إمارة أبوظبي. تباطؤ النمو الاقتصادي إن دول الخليج بحاجة ماسة إلى تأكيدات مطمئنة من الجانب الصيني، فمنذ العام 2008، ظلت الصين عاملاً رئيسياً وراء نمو الاقتصاد العالمي إلا أن هذا المحرك الصناعي القوي بدأ يتباطأ اليوم. وكان معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي هبط إلى 8.9% في الربع الأخير من العام 2011، وهذا أدنى مستوى له منذ عامين ونصف، طبقا لبيانات البنك الدولي. أما إجمالي النمو لكامل العام فقد تراجع إلى 9.2% بعد أن كان عند 10.4% العام 2010. وتتوقع تحليلات البنك الدولي أن يشهد النمو الاقتصادي المزيد من التراجع، ليصل إلى 8.4% العام 2012. وبينما تمر منطقة اليورو بتقلبات شديدة، وتجاهد الولايات المتحدة الأمريكية للخروج من الأزمة الاقتصادية التي تورطت بها، يشكل أي تباطؤ للاقتصاد الصيني خطراً مضاعفاً للدول المنتجة للنفط في الشرق الأوسط من خلال تراجع الطلب القادم من ثاني أكبر اقتصاد في العالم، ويتزامن معه تراجع الاستهلاك في الغرب، وهبوط أسعار السلع في مختلف أرجاء العالم. إن صعود الصين، من مستوى دولة نامية تجاهد من أجل البقاء، إلى محرك للاقتصاد العالمي، يعود بالفضل إلى التجارة. فبواسطة التجارة يتم تحويل المواد الخام إلى سلع متدنية الكلفة مخصصة للتصدير، عادة باستخدام آلات وتكنولوجيا مستوردة من الدول الغربية المتقدمة. وكان إجمالي قيمة التجارة الصينية بلغت 2.9 تريليون دولار العام 2010، أي أقل بقليل من خمس إجمالي واردات و صادرات العالم. ومن المتوقع أن القيمة ارتفعت العام 2011 إلى 3 تريليون دولار. وفي حين تعتبر التجارة الصينية مع دول الشرق الأوسط مهمة للمنطقة، يكتسب دور بكين كشريك تجاري مهم أهمية عالمية. وإذا ما استمرت الصين في النمو سريعا، فإنها تظل بحاجة إلى شراء المواد الخام، الآلات والتكنولوجيا من الخارج، ما يعني تعزيز اقتصادات شركائها التجاريين والذين بدورهم يعتمدون على الشرق الأوسط لتلبية احتياجاتهم من الطاقة. إن دول مجلس التعاون الخليجي الست تولد حوالي ثلث الناتج المحلي الإجمالي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا «منطقة مينا»، رغم أن المنطقة لا تضم أكثر من 10% من إجمالي سكان العالم. وفي الغالب تحصل دول مجلس التعاون الخليجي على الأموال من وراء إنتاج وتصدير النفط والغاز والبتروكيماويات. وحسب تقديرات البنك الدولي فإن صادرات النفط والغاز تشكل في المتوسط نسبة 60% من الناتج المحلي الإجمالي لدول المجلس. الشركاء التجاريين طبقا لبيانات صندوق النقد الدولي، الذي يتخذ من واشنطن مقرا له، تتمثل أسواق التصدير الرئيسية لدول مجلس التعاون الخليجي في اليابان، الهند، كوريا الجنوبية، الصين، دول الاتحاد الأوربي البالغ عددها 27 دولة، و الولايات المتحدة الأمريكية. ومع أن الصين ليست الشريك الأكثر أهمية لصادرات المنطقة، فإنها تساهم في استمرار قوة طلب السلع القادم من الشركاء التجاريين الرئيسيين لدول المجلس. كما إن غالبية الواردات الصينية تأتي من اليابان، دول الاتحاد الأوروبي، كوريا الجنوبية، الولايات المتحدة الأمريكية واستراليا، في حين تذهب غالبية صادراتها إلى الاتحاد الأوروبي، الولايات المتحدة، هونغ كونغ، اليابان و كوريا الجنوبية. ومع هذا ليس من الضروري أن يتسبب تقلص النمو الاقتصادي الصيني في إحداث كارثة للدول المصدرة للطاقة بالشرق الأوسط، وذلك حسب قول كبير الاقتصاديين بمجموعة سامبا المالية السعودية، جيمس ريف، والذي أضاف: «لا تزال فرص الطلب على النفط قوية وأن مجرد تراجع معدلات النمو عموما لا يعني تراجع الطلب على النفط». لقد استمر الطلب الصيني على النفط في ارتفاع طوال أكثر من عقدين – ويذكر انه حدث آخر تراجع له العام 1990. كان متوسط الاستهلاك قد بلغ 9 ملايين برميل في اليوم العام 2010 ويحتمل انه بلغ 10 ملايين العام 2011. وفي هذا الصدد يقول رئيس مؤسسة أيكيم الاستشارية بالمملكة المتحدة، بول هوجز: «على المدى القصير إلى المتوسط، سيظل الشرق الأوسط في وضع جيد. إذ إن حاجة الصين إلى موارد الطاقة، وخاصة النفط، ستستمر وهذا في صالح الشرق الأوسط دون شك». وفيما يخص البتروكيماويات فإنه طبقاً لبيانات مجموعة «سيتي غروب» المصرفية الأمريكية فإن الطلب العالمي على البوليثيلين شهد نمواً لا يزيد على 1% خلال الفترة من يناير إلى نوفمبر 2011. يذكر أن منتجي البتروكيماويات في المنطقة يدركون الآثار السلبية لفائض الإنتاج. ولهذا فان كلا من سابك أرامكو السعودية تعملان على إقامة مشروع عملاق للبتروكيماويات وتكرير النفط في الصين، في حين وجهت شركة أبوظبي للبوليمرات «بروج)» استثمارات كبيرة في صناعة وتوزيع المواد البلاستيكية في الصين. وفيما يخص العام 2012 فإن الطلب المستدام على النفط يجب أن يكون كافياً لمصدري النفط الشرق أوسطيين، خاصة وأن ريف يتوقع بلوغ متوسط سعر برميل النفط مستوى 100 دولار طوال العام. ? المصدر: ميد