“ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ”..
ولماذا شعبان؟؟ والإجابة في حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: “قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ. قَالَ: ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ” [رواه النسائي، وحسنه الألباني].
ومن خلال هذا النور المشرق من أنوار النبوة نلخص أسباب الاحتفاء بشعبان كما يلي:
1- أنه زمن غفلة عند كثير من الناس، والاجتهاد في وقت الغفلة ليس كغيره، يقول صلى الله عليه وسلم: “ الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إليَّ” [رواه مسلم]، والهرج أي: القتل والفتن واضطراب الأمور، كما أثنى الله على قائمي الليل فسماهم محسنين، لأن الليل وقت نوم وغفلة، ولو صح حديث السوق فإنه يدل على نفس المعنى، لأنه ذكر في أشر البقاع حيث يتسابق الناس إلى الشهوات، ويتنافسوا في تحصيل اللذات، أما الذاكر فيلحظ بقلبه عبوديته لربه، وينطق بذلك لسانه مقرًّا له بالربوبية، ومعترفـًا بالألوهية من خلال ذلك الذكر الوارد في الحديث المشار إليه آنفـًا. هذا وإن انفراد العبد في زاوية التعبد يكون أشق على النفس فيعظم لذلك الأجر، بخلاف ما يتعاون الناس على فعله، إذ الجماعية على الطاعة كما يكون في رمضان تخفف المشقة، وتيسر العمل على العبّاد، وهكذا الأمر بالنسبة لشعبان، قلّ أن تجد فيه مجتهدًا، فإذا انفرد المرء في درب الإيمان ولم يجد فيه مؤنسًا، ولا على الطاعة معاونـًا فلعل شأنه يكون كشأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين تركوا ديارهم وأموالهم، وفروا بدينهم فعظـَّم الله أجرهم، وخلد ذكرهم ثم طمأن من جاء بعدهم، وسار على دربهم، وتمسك بهديهم بأن له أجر خمسين منهم، والعلة في ذلك أنهم لا يجدون على الخير أعوانـًا، فأبشروا معشر الغرباء بالأجر العظيم، والخير العميم من الرحمن الرحيم.
2- وثاني هذه الأسباب: أنه شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فمن أساء فليستحضر تلك الأعمال وهي ترفع، ومن أحسن فليستحضر ذلك أيضًا، ولكن مع الفرق ثم ها نحن في زمن مهلة، لنحسن ونتبع السيئة الحسنة نرجو محوها، والحسنات يذهبن السيئات، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ”، أفلا تحب ما أحب الحبيب صلى الله عليه وسلم؟!
وإذا كان الناس في غفلة عن التعبد في شعبان، ولرسول الله صلى الله عليه وسلم اهتمام خاص به كان لابد لك يا طالب الآخرة من منهج، لإحسان استغلال شهر شعبان.
أول معالم هذا المنهج: الإكثار من الصيام، تقول عائشة رضي الله عنها: “فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ إِلاَّ رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْتُهُ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ” [رواه البخاري ومسلم]، ولمسلم: “كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إِلاَّ قَلِيلاً”، وقالت أيضًا: “كَانَ أَحَبَّ الشُّهُورِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَصُومَهُ شَعْبَانُ بَلْ كَانَ يَصِلُهُ بِرَمَضَانَ” [رواه النسائي، وصححه الألباني. فهذه الأحاديث المباركة تدل كلها على سنة الإكثار من الصيام في شعبان، ولكن لا يصومه كله، لقول عائشة رضي الله عنها في الحديث السابق: “فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ إِلاَّ رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْتُهُ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ”، إذاً فيحمل ما سواه على أن المراد صيام أكثر شعبان، فاجعل لنفسك نصيبًا، واعلم أن صيام اليوم الواحد يبعدك عن النار سبعين خريفـًا، ويجعل لك في ساحة القيامة ريًا، وبالإضافة إلى ذلك فإن فيه للشباب ضد الشهوات عونـًا، فكم ستصوم من شعبان أيها المحب؟؟