ليس الاقتصار في باب الإكثار من التعبد في شهر شعبان على الصيام استعداداً لاستقبال شهر رمضان، بل خذ لك نصيباً من سائر الطاعات والقربات، وأعلاها وأهمها وأحبها إلى الله الفرائض، فاحرص على إحسانها، وحافظ على تكبيرة الإحرام فيها، وأدرك جماعتها، لا سيما الفجر، فإن عبداً هذا شأنه يسهل عليه المحافظة عليها في رمضان، ثم أتبع الفريضة بما تستطيعه من النافلة، ودرب نفسك على ذلك، حتى لا يصعب عليك في رمضان.

واجعل لنفسك ورداً من القرآن، ولقد قيل كما في لطائف المعارف لابن رجب رحمه الله: «شعبان شهر القراء»، والذي تدرب على التلاوة في شعبان يزداد حتماً في رمضان، ويكون فطنـاً للصوارف والعوارض فيكون في رمضان أشد تعاهداً ممن بدأ التلاوة مع بداية رمضان، فلربما انصرم الشهر وما ختم المصحف ولو مرة واحدة.

ولعل في كثرة التلاوة في شعبان جلاء لما تراكم على القلب من الران فيصبح المحل طيبًا قابلاً لأثر القرآن في رمضان، فيحصل التدبر والانتفاع بالقرآن.

وأيضاً خذ لك بنصيب من القيام، فهو أحب الصلاة إلى الله بعد الفريضة، ومن تدرب في شعبان على نصب الإقدام بين يدي الملك العلام، وعلى دعوات الأسحار، وكثرة الاستغفار، كان على ما يرام في شهر رمضان إن شاء الرحمن.

ثم احرص على الإكثار من ذكر الله عزَّ وجلَّ آناء الليل وآناء النهار، سيما الأذكار الموظفة، واملأ وقتك بالاستغفار والصلاة على النبي المختار صلى الله عليه وسلم، ليتعود لسانك على ذلك في شعبان، فيرقى إلى الأحسن منه في رمضان، وينأى عن اللغو والعصيان. ومع الاجتهاد في الطاعات احذر النسافات، فاحفظ أعمالك من الرياء والسمعة والعجب، واجتنب المحرمات، ودرب نفسك على الصيانة والحشمة نحو الحرمات والشعائر، فإن ذلك أعون للعبد على تحصيل التقوى في رمضان، وإذا كنا في زمن ترفع فيه الأعمال فإنَّ أعظم وظيفة لنا جميعًا عصاة وطائعون تجديد التوبة وتجويدها، والتحلي بسائر أنواع القربات، والتخلي عن أعمال العصيان، تمهيداً لنكون على أفضل حالة في شهر الرحمة والمغفرة، شهر رمضان.

وبعد، أحبتي في الله ليكن اجتهادنا في شعبان تدريباً لنا على الإحسان في رمضان، فكما يقول ابن رجب رحمه الله: «لئلا يدخل العبد في صوم رمضان على مشقة وكلفة، بل يكون قد تمرن على الصيام واعتاده، ووجد بصيام شعبان قبله حلاوة الصيام ولذته، فيدخل في صيام رمضان بقوة ونشاط» اهـ، وكأن صيام شعبان كالسنة القبلية لرمضان، وصيام الست من شوال كالبعدية لإصلاح ما تخرق بالعصيان في رمضان.

يقول الشاطبي رحمه الله: «السنن والنوافل بمثابة التوطئة وإعداد النفس للدخول في الفريضة على الوجه الأكمل» اهـ.

وأخيراً: هذا تحذير، نعم تحذير للمتهاونين بشعبان، الذين تكاسلوا عن العمل الصالح فيه، فعاد ذلك بالتهاون في رمضان، فكانت الشكوى من الخسران، لماذا؟ لأنهم لم يتهيؤوا بالعمل الصالح للإحسان في رمضان، ولو أن هؤلاء كانت لهم قبل رمضان جولات في ميادين الاجتهاد في الطاعة، لأنِسوا من نفوسهم خيراً، لكنهم طمعوا في نوال القرب ولما يستكملوا زاد المسيرة، مثلهم كمثل من ذهب إلى السوق بلا مال فلا يجهد نفسه في المساومة، بل يقال له: «تنكب لا يقطرك الزحام».

واعلم أخي أن من ثواب الحسنة الحسنة بعدها، وأن من قدم خيراً حصد خيراً، فكن مما ذكرت لك على ذكر، وخذ الأمر بجد، فلعلك لا تعيش إلى قابل {وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ} [الأعراف:185]، وإنك لتعلم إخوانـاً لك صاروا الآن تحت الثرى، بعد أن كانوا معنا عام أول، وأنت مازلت في زمن المهلة، فتجهز لآخرتك، واحذر الغفلة، واقتد بنبيك صلى الله عليه وسلم في الاحتفاء بشعبان.

نسأل الله أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأن يبلغنا رمضان، ويجعلنا من عتقائه من النيران، آمين.