كتب - عبدالله الذوادي:

كان مسجد الشيخ علي بن خليفة آل خليفة «المهزع»، ومسجد «الفاضل»، في المنامة، يُعدّان الأكبر عند إنشائهما، ليس في البحرين فحسب، وإنما بين مساجد المنطقة الخليجية، باستثناء الحرمين المكي والنبوي في مكة والمدينة المنورة.

مسجد «المهزع»

كان مسجد الشيخ علي بن خليفة آل خليفة، يُسمى بمسجد المهزع بفريق المهزع، بُني في القرن التاسع عشر حوالي 1860، ويقع في المنطقة الغربية من العاصمة المنامة وفي الجهة الجنوبية من سوق المنامة. وهو موقع حيوي ومهم جداً للمصلّين، خصوصاً في أيام الجمع. وقد عين الشيخ علي بن خليفة آل خليفة قاضي المنامة الشيخ محمد بن راشد الحسيني إماماً للمسجد. وكان الشيخ محمد هو جد الملا إبراهيم بن راشد الحسيني الذي ختم على يديه معظم أبناء الحوره والقضيبية القرآن الكريم في منزله بالحورة في نهاية القرن التاسع عشر وحتى الخمسينيات من القرن العشرين قبل أن ينتقل إلى جوار ربه. و كان أيضاً إمام مسجد الحورة الذي أصبح فيما بعد جامع الحورة. وقد تتلمذ على يد الشيخ محمد بن راشد الحسيني الشيخ قاسم بن مهزع، واستمر الشيخ الحسيني إماماً و قاضي قضاة المنامة حتى فترة زمنية طويلة في عهد الشيخ عيسى بن علي آل خليفة حاكم البحرين وقتذاك، ثم خلفه في مناصبه الشيخ قاسم بن مهزع تلميذه السابق، الذي كان قاضياً شرعياً للطائفتين الكريمتين.

أحمد المهزع يتولى الإمامة

بقي المسجد يعرف فيما بعد باسم جامع المهزع، وقد تولى الإمامة بعد وفاة الشيخ قاسم، شقيقه الأصغر الشيخ أحمد بن عبدالرحمن المهزع. وبعد وفاة الأخير تولى ابنه رئيس المحاكم الشرعية الشيخ عبدالرحمن المهزع. ولم يشأ الشيخ عبدالرحمن هدم الجامع و إعادة بنائه رغم قدم طرازه، لسبب لم يُعرف. وقد توفي الشيخ عبدالرحمن المهزع العاشرة من صباح الثلاثاء 30 ديسمبر 1986 (المصدرالشيخ فؤاد عبيد) الذي تولى الإمامة في الجامع كخطيب للجامع بعدما دربه الشيخ عبدالرحمن قبل وفاته بفترة قبل أن يلقى وجه ربه.

تجديد المسجد 2001

بعد فترة من وفاة الشيخ عبدالرحمن المهزع وبعدما ساءت حالة المسجد العمرانية، جرى هدمه وإعادة بنائه العام 2001 بمكرمة ملكية من صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى، وسُمي باسم جامع الشيخ علي بن خليفة آل خليفة نسبةً إلى مؤسسه الشيخ علي بن خليفة آل خليفة والد الشيخ عيسى بن علي آل خليفة حاكم البحرين الراحل طيب الله ثراه.

جامع الفاضل

في فترة زمنية حتى الخمسينيات، لم يكن في المنامة عاصمة البحرين سوى جامعين الأول جامع الشيخ علي بن خليفة آل خليفة وجامع الفاضل الذي يقع وسط المنامة وشرقي سوق المنامة، وذلك قبل بناء جامع القضيبية الذي بني فيما أعتقد بداية الخمسينيات. وكان جميع المصلّين في القضيبية والحوره و فريق الذواودة وفريق العوضية وفريق الفاضل وفريق الحطب (كانو) و المناطق المجاورة وأم الحصم يصلّون الجمعة في مسجد الفاضل. ولم يكن في المساجد وقتها مكبرات للصوت، فكان عدد من أئمة المساجد في المناطق المذكورة يتوزعون في مختلف أرجاء الجامع يرددون التكبيرات خلف الإمام لتصل تكبيراتهم إلى المصلين.

منارة شاهقة للمسجد

كانت لمسجد الفاضل ولا تزال منارة شاهقة جميلة مطرّزة جدرانها بالقاشاني الفاخر حيث بناها البناء الماهر محمد أمين والد د. عيسى أمين. وكان شرقي المسجد تقع شرقيه مضيئة المسجد، بها بركة يتوضأ من مائها المصلون. وكان الماء يصلها من العين الواقعة شرقي المسجد التي كانت تسمى عين الباكر نسبة إلى عائلة الباكر التي كانت تسكن في هذه المنطقة. وكان إمام وخطيب الجامع هو الشيخ عبداللطيف السعد، القاضي وقد خلفه من بعده في الإمامة والخطابة أبناؤه على التوالي الشيخ عبدالرحمن والشيخ محمد والآن ابنه الشيخ إبراهيم بن عبداللطيف آل سعد.

اسم الحي

لقد سُمي الحامع باسم الحي الذي يقع فيه بجامع الفاضل الذي سكنته عائلة الفاضل، و هم من أصهار آل خليفة، الذين لا يزال جزءاً من بيتهم بجوار الجامع من جهة الجنوب إلى جانب بيت الشيخ عبداللطيف آل سعد وبعض العوائل البحرينية مثل بيت المرحوم إبراهيم بن قاسم المهزع والد د. جاسم بن إبراهيم المهزع وحفيد الشيخ قاسم المهزع. وبيت بهزاد وغيرهم من العائلات البحرينية العريقة. فما ذكر لي المرحوم عبدالواحد عبدالعزيز خنجي، وهو من أصهار عائلة الوزان، أن أول من بنى هذا الجامع هو والده عبدالعزيز لطف علي خنجي. وأكد ذلك إسحاق خنجي الذي بنى أيضاً مسجد العوضية الذي حل محله مسجد الفاروق الذي يمتزج موقعه مع فريق العوضية وبداية فريق الفاضل من جهة الشرق بعد ضم مسجد العيد إليه ليسمى بمسجد الفاروق، تقديراً للصحابي الجليل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وقد أخبرني الحاج عبدالواحد خنجي في مجلس العزاء لابن عمة والدتي المرحوم الشيخ عبدالله بن يوسف الذوادي الذي توفي في 28 مارس 2002، و ما ذكره المرحوم عبدالواحد خنجي، كان أمام جميع الحضور في مجلس العزاء بمسجد الذواودة الواقع على شارع القصر القديم بالمنامة.

سقف على شكل قبب

وذكر المرحوم عبدالواحد خنجي أن سقف المسجد وقتها كان على شكل قبب، وقد ضاق بالمصلّين، فتوجه الشيخ عبداللطيف السعد وشقيقه الشيخ علي السعد إلى عبدالعزيز خنجي، وطلبا منه المساعدة في توسعة الجامع، فوافق في الحال واشترى الجزء الشمالي من البحر الملاصق للجامع ودفنه بالحصى، وبنى عليه التوسعة، وأصبحت مساحة المسجد كما هي عليه الآن. هذا وقد تعاقب على إعمار هذا الجامع وتجديده حكام آل خليفة الكرام من صاحب العظمة الشيخ حمد ثم الشيخ سلمان والشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة أمير دولة البحرين طيب الله ثراه، حيث أجرى عليه تجديداً جذرياً مرتين ليتناسب مع النهضة العمرانية التي شهدتها البحرين في عهده الميمون، فأصبح الجامع تحفة معمارية تاريخية تضفي جمالاً في موقعه العتيد على شارع الحكومة الذي يؤدي إلى سوق المنامة، ويمتلئ الجامع بالمصلين أيام الجمع و الأعياد عن بكرة أبيه رغم سعته.

رمز وطني

لقد أصبح جامع الفاضل رمزاً لما كان عليه أبناء البحرين من حب للخير غير معتمدين فقط على الدولة، كان الأهالي وقتذاك يساهمون في بناء المساجد و دور العبادة و المدارس. ولعل ما يؤكد ذلك ما نراه من مساجد تحمل أسماء أشخاص في مختلف مناطق البحرين. ولعل المرحوم عبدالعزيز لطف علي خنجي أكبر دليل على ذلك. وقد أخبرني إسحاق خنجي أن للمرحوم إسهامات خيرية كثيرة في بلاد المسلمين في شمال أفريقيا و آسيا، وهناك شارع في ليبيا يحمل اسمه ستكتب في ميزان حسناته إن شاء الله، إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً.

مساجد باسم مؤسسيها

كم كنت أتمنى على المسؤولين في الشؤون الإسلامية أن يسموا بعض المساجد، خصوصاً التي بناها ذلك الرعيل من أبناء البحرين المحبين للخير بأسمائهم تحفيزاً للأجيال الحالية التي لم تعرف طريقاً للخير والعمل الخيري إلا قلة منهم.

تلك كانت وجهة نظر المرحوم عبدالواحد عبد العزيز خنجي أوردتها كما ذكرها رحمة الله عليه. وربما كان سبب ما ذكر من أن عبدالعزيز خنجي هو أول من بنى المسجد ربما لبنائه بالشكل الذي تبنى عليه المساجد من عمارة حديثة في ذلك الوقت. ولكي أستوضح الأمر لجأت إلى ابني وتلميذي العزيز يوسف صلاح الدين إبراهيم، أحد المهتمين بالتاريخ الذي زودني بالمعلومات التالية شاكراً له هذا الاهتمام، وإنني إذ أورد رأي يوسف صلاح الدين إلى جانب ما ذكره المرحوم عبدالواحد عبدالعزيز خنجي، أرنو إلى الوصول إلى الحقيقة، فيوسف يؤكد ما ذكره المؤرخ بشار الحادي من معلومات من أن أول من أسس جامع الفاضل هو المرحوم الشيخ علي بن خليفة الفاضل، وهنا التبس الأمر على البعض بين الشيخ علي بن خليفة الفاضل والشيخ علي بن خليفة آل خليفة والد الشيخ عيسى بن علي آل خليفة حاكم البحرين طيب الله ثراهما، و الذي بنى جامع المهزع أو جامع الشيخ علي بن خليفة آل خليفة الذي جُدد مؤخراً.

سعف النخيل

لا شك أن جامع أو مسجد الفاضل شهد تطورات عديدة، فمنذ أن بُنِيَ بسعف النخيل ثم الطين والحجارة جُدد عدة مرات إلى أن وصل إلى وضعه الحالي، ولاشك أن كل من ساهم في بنائه سينال الأجر العظيم من المولى عز وجل، فالشيخ المرحوم علي بن خليفة الفاضل أجره عند الله والمرحوم الحاج عبدالعزيز لطف علي خنجي كذلك أجره عند الله وكافة من حافظ على هذا الصرح.

هذان الرأيان لا يفسدان الحقيقة، ولا يستطيع أحد أن ينتقص من فضل كافة الأيادي التي ساهمت في بناء هذا المسجد العتيد، فلكل من ساهم في إعماره و بنائه أجره عند الله سبحانه و تعالى. وتحية إلى كل من ساعدني وتحية إلى الأخ الشاعر علي الشرقاوي، الذي حفزني لكتابة هذا الموضوع زيادة في المعلومات.