رمضان شهر البر والإحسان، شهرٌ فضله الله فأعلى ذكره في العالمين، ورفع بين الشهور منزلته وقدره، شهر تُضاعف فيه الحسنات، من رب الأرض والسماوات، اختص الله ثوابه لنفسه، فأجره لم يُطلع عليه أحد من خلقه، يقول النبي “صلى الله عليه وسلم” في الحديث: ((... قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِلا الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ)).
ومن فضل الله وكرمه أن أبواب الجنان تفتح كلها في هذا الشهر المبارك، ترغيباً للنفوس وشحذاً للهمم، لما عند الله من عظيم الثواب وجليل النعم، يقول النبي “صلى الله عليه وسلم”: ((إذا كَانَتْ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ، فتّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهنّم، فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ)).
ويكفي للصائمين شرفاً أن بشرهم نبيهم “صلى الله عليه وسلم” بأعظم بشارة؛ للصائمين وحدهم، حين ينادون يوم القيامة لدخول الجنة من باب خاص من أبوابها إكراماً منه وتفضلاً وإنعاماً، يدخلون من باب الريان، باب للصائمين فقط لا يدخل غيرهم منه، فعن سهل رضي الله عنه، عن النبي “صلى الله عليه وسلم” قال: ((إن في الجنة باباً يقال له الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخل منه أحد غيرهم، يقال: أين الصائمون، فيقومون، لا يدخل منه أحد غيرهم، فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد)).
أما من كان سباقاً لأعمال الخير، طارقاً لأبوابها؛ فإنه يدعى من أبواب الجنة كلها، وهو شرف ما بعده شرف كما أخبر به الصادق المصدوق، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ “صلى الله عليه وسلم” قَالَ: ((مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ نُودِيَ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا خَيْرٌ، فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلاةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّلاةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الْجِهَادِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ)) فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عَلَى مَنْ دُعِيَ مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ مِنْ ضَرُورَةٍ، فَهَلْ يُدْعَى أَحَدٌ مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ كُلِّهَا؟ قَالَ: ((نَعَمْ، وَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ)).
وهذا الفضل العظيم والأجر الجزيل أعده الله للمتقين، ونحن في هذا الشهر المبارك نلتمس الأجر من رب كريم، يحب التائبين ويقبل العائدين ويمهل العاصين ويفرح لعودة الآيبين، أعد الله لهم من الأجور ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. وللفوز بالدخول من باب الريان لأبد أن يكون الصيام محفوظاً مما ينقص ثوابه، فليس المقصود من الصيام الامتناع عن الطعام والشراب وسائر المفطرات الحسية فقط، بل يجب حفظ الصوم وصونه من كل ما يدنسه أو ينقص أجره، فلنسارع إلى الخيرات ولنغتنم هذه الفرصة العظيمة لدخول جنة عرضها الأرض والسموات أعدت للمتقين.
إذا هبت رياحك فاغتنمها
فإن لكل خافقة سكون
ولا تغفل عن الإحسان فيها
فلا تدري السكون متى يكون
راشد عبدالرحمن أحمد العسيري