أتوّج هذا المقال بقول سيد الأقوال والأعمال محمد صلى الله عليه وسلم مادحاً المنشغل في البحث عن عيوبه منصرفاً عن عيوب الناس، فكأنه عليه الصلاة السلام يلفت انتباهنا إلى مبدأ تجاهله الكثير منا، وهو تقويم الذات بهدف إصلاحها. تمتزج الصفات بأنواعها في النفس البشرية، فمنها ما يرسم سبيل النجاح ومنها ما يجرّ إلى الانكسار. فلا يوجد من هو خال من العيوب ولن تصل البشرية للكمال، فالكمال من صفات رب العزة والجلال سبحانه المتعال. لعلّ نقد الذات بالتعمق في النفس وإدراك ما فيها من مزايا فنصقلها، من عيوب فنحاول معالجتها وتجنبها، لهو السبيل في الارتقاء بالنفس البشرية إلى القمم، فإنَّ الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم. وما إنْ يشرع المرء بنقد ذاته حتى يتبرأ من أشد أسقام النفس خطراً، المرض الذي يحرمه من دخول الجنة ألا وهو الكبر والغرور، فنقد الذات يبعد المرء عن ادعاء الكمال وتزكية النفس، ويجعله قادراً على معرفة عيوبه والإقرار بها فيعمل جاهداً على التخلص منها، أو تحويلها إلى مناطق قوة تدفعه بثبات إلى الأعلى. فنجد ناقد الذات ذو شخصية متزنة لا يهزه ما يحيطه من تحديات أو أزمات. وبالرغم من ذلك نجد كثيراً من الناس يتجنبون نقد الذات مهمشين حديث النفس، نتيجة لصعوبة اكتساب هذه المهارة وتطبيقها بطريقة صحيحة، فمنا من قد ينقد نفسه بأسلوب سلبي هادم غير بنّاء، فتتحطم العزائم وترحل الهمم فتُهدر الطاقات وتُهمّش القدرات. ومن ناحية أخرى قد تجرنا المبالغة في نقد الذات إلى نهاية مهلكة، عندما يتحوّل النقد إلى جلد للذات، فيحرم المرء نفسه من ملذات الدنيا المباحة، ويبعدها عن كل ما يشعرها بالسعادة ويغمرها بالسرور، فينتج لنا إنساناً في أعلى مراتب التطرف! لتمثل المبالغة أسهل طريق للهلاك، كما عهدها أصحاب العقول النيّرة، فإن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا يُنزع من شيء إلا شانه. ولا يخفى علينا فإنَّ نقد الذات بدأ ببدء الخليقة، حينما أكلا أبوينا آدم وحواء عليهما السلام من الشجرة التي حرمها الله فبدت لهما سوآتهما، وهي مرحلة صحوة الضمير التي تقود إلى نقد الذات، فسرعان ما أيقنوا واعترفوا بخطأهم طالبين الرحمة والمغفرة. وفي التاريخ قصص شتى تروي نقد الذات، وكذلك واقعنا اكتض بالقصص التي رسمت نجاحات بُنيت على أساس محاسبة الذات. «فطوبى لمن انشغل بعيوبه عن عيوب الناس”. مريم الذوادي