د. زيد بن محمد الرماني
الزكاة فريضةٌ شرعيَّة؛ ثابتة بنصوص قطعيَّة في القرآن والسُّنة، ووقَع الإجماع عليها، وتولَّى ربُّ العالمين تحديدَها مع مصارفها، وقد بيَّن رسول الله «صلى الله عليه وسلم» معظمَ تفاصيلها، والزكاة ركْنٌ من أركان الإسلام الخمسة، لربْطها بالصلاة في القرآن الكريم في نيِّف وثلاثين آية.
والزكاة جزءٌ من النِّظام المالي العام في خزينة الدَّولة وبيْت مال المسلمين، سواء في الموارد والمصارف؛ لذلك قسَّم علماؤنا بيْت المال لأربعة أقسام، أحدها: قسم الزكاة «إضافة لبيْت الأخماس، وبيْت الضوائع، وبيت مال الفيْء».
يقول د. محمد الزحيلي في كتابه «التطبيقات المعاصرة للزكاة»: الزكاة لها أهدافٌ عقدية ورُوحية، ونفسية واجتماعية، واقتصادية وصحية وتربوية.
فالزكاة جزءٌ من النِّظام المالي الخاص للأفراد في تنظيم تِجارتِهم، وضبط أموالهم، كما تُسهِم الزكاةُ في حلِّ المشكلات الاجتماعية، والاقتصادية والمالية، للأفراد والمجتمعات، كما إن الزكاةُ أهمَّ وسيلة مِن وسائل التكافل الاجتماعي في الحياة، وتُساهِم في حلِّ مشكلة البطالة، وتشغيل عددٍ من العاطلين عن العَمَل.
جاء في كتاب «غياث الأمم في الْتِياث الظُّلَم»؛ للإمام الجويني: «فأمَّا سدُّ الحاجات والخصاصات، فمِن أهم المهمَّات، وإذا بنيْنا على غالب الأمْر في العادات، وفرضْنا انتفاءَ الزمان عن الجوائح والعاهات، وضروبِ الآفات، ووُفِّق المثرون الموسِرون لأداء الزَّكوات، انطبقت فضلاتُ أموال الأغنياء على أقدارِ الحاجات».
وقد رأى بعض العلماء والباحثين ضرورةَ إضافة بعض التطبيقات المعاصِرة فيما يتعلق بمصارف الزكاة، من حيثُ دفْع الزكاة لأصحاب الدخْل المحدود، ممن لا يكفيهم دخلهم، سواء أكانوا عمَّالاً، أم موظَّفين، أم مستخدمين. كما يُمكن قضاء دَيْن الميِّت من الزكاة باعتبارِ صاحبه من الغارمِين، إذا لم يكن في ميراثه ما يفي بذلك، ولم يُسدِّد ورثتُه عنه، وفي ذلك أمانٌ لأصْحاب الدُّيون، ودعْم للتكافل الاجتماعي، وحث على القرْض الحسَن الذي يطمئنُّ صاحبه على سداده من المدين.
ومن السُّبُل المهمَّة في هذا الزمان ما يتعلَّق بمشكلات الشباب، خاصةً العزَّاب، فيا حبَّذَا أن تُسهِم الزكاة في حلِّ تلك المشكلات ومعالَجة أوضاع أولئك الشباب، مِن خلال المشاركة في مشاريعِ الزواج، وإعْفاف الشباب والبنات غيرِ القادرين على نفقات الزواج.
وتجدُر الإشارة إلى أنَّ هناك مسائلَ غاية في الأهميَّة تتَّصل بالزَّكاة ومصارفها وأموالها، في حاجةٍ إلى بحْث ومدارسة مِن قِبَل العلماء والفُقهاء والمهتمِّين والباحثين ومنها: الموظَّفون العاملون على جِباية الزَّكاة وصرْفها وتوزيعها، إلى جانب ضرورة الاستعانة بالخُبراءِ الاجتماعيِّين؛ لمعرفة الفقراء والمساكين، ودراسة أحوال الغارمين، والمؤلَّفة قلوبُهم، وأبناء السبيل، وأوجه «في سبيل الله». بالإضافة لحاجة مؤسَّسات الزَّكاة للتقنيات الحديثة؛ لتطبيق الزَّكاة، واستخدام أجهزةِ الحواسيب، والمستوْدَعات لحِفْظ أموال الزكوات.
وأموالُ الزكاة الواقِعة في الفتْرة بيْن الجباية والصَّرْف، هل يمكن استثمارها، أم تُوضَع أمانات مجمَّدة؟ وما مدَى الحاجة إلى لجنةٍ شرعيَّة مختصَّة، كخُبراء دائمين متفرِّغين، لحلِّ المشاكل الطارِئة، ودراسة الصُّعوبات الناشِئة في شؤون الزَّكاة؟
ونود أن نشير إلى أن الزكاة تحتلُّ مكانًا رئيسًا في نِظام الاقتصاد الإسلامِي المتكامل، حيث تُلبِّي وظائفَ متعدِّدة في العمل الخيري البنَّاء، كما تُلبِّي حاجاتٍ أخرى عديدة.
وسعيًا وراءَ تحقيق الأهْداف الشرعيَّة للزكاة، والمقاصِد الربَّانية لفرضيتها، والغايات السامية لتشريعها، ينبغي أن تقومَ الزكاة بوظائفها كمعالجة مشكلة البطالة، وظاهرة الفقر، بتأمين العمل للناس، وتوفير السُّبُل أمام العمَّال والشباب، وتوفير العَيْش الكريم للناس، وحِفْظ الكرامة الإنسانية للأفراد، وتزويد الأُسْرة والأطفال بالقُوت الضروري، والغذاء اللازم، والإسهام في الحرَكة الاقتصاديَّة في الإنتاج والعَطَاء، والقضاء على منافذِ الفَسَاد والجريمة.