تقرير - عبدالله إلهامي:
سقط مسلسل «عمر» في فخ المقاربة بين تاريخ الشخصية والتوظيف الدرامي، وبدا المسلسل أقرب إلى فيلم وثائقي سرد تفاصيل السيرة النبوية الشريفة منذ بداية الدعوة، وأبرز المواقف التي شهدها عمر بن الخطاب خلال الفترة.
ونال المسلسل نقداً لاذعاً من متابعيه لجهة تغييب الجانب الاجتماعي من حياة الصحابي الجليل، والاكتفاء بأقواله المشهورة ومواقفه المشهودة، والتغييب المتعمد لصحابة عاصروا الفترة أمثال معاوية بن أبي سفيان، أبي هريرة، أبي ذر الغفاري، سلمان الفارسي، وآخرين.
وضع المسلسل المشاهد رغماً عنه في مقارنة العمل مع فيلم «الرسالة»، ورغم إن المقارنة يجب أن تكون لصالح العمل الأحدث، إلا أن غالبية من المشاهدين ذهبت إلى أن «الرسالة» كان أنجح إخراجاً وقصة وتمثيلاً.
وأثار المسلسل الذي أنتجه مركز تلفزيون الشرق الأوسط «MBC» بالشراكة مع مؤسسة قطر للإعلام جدلاً كبيراً بعد الإعلان عن عرضه خلال شهر رمضان المبارك، كونه يتناول حياة ثاني الخلفاء الراشدين وأحد العشرة المبشرين بالجنة، لذلك أتت موجة الرفض حفاظاً على أن تظل صور الصحابة مشرقة في أذهان الناس ووجدانهم، وموجة التأييد لإيصال سيرته إلى مختلف الفئات والطوائف وتثقيف الناس بالجوانب المهمة التي يجهلونها من سيرته رضي الله عنه، إلا أن عدد مشاهدي الحلقة الأولى من المسلسل على شاشات التلفاز قد تجاوزوا 6 ملايين مشاهد.
ويعرض المسلسل عبر قنوات تركية وإندونيسية وماليزية وغيرها من الدول الإسلامية، إضافةً إلى عدد وافر من القنوات العالمية الأخرى بالتزامن مع عرضه على شاشة «MBC» وتلفزيون قطر، ليقترب بذلك عدد مشاهديه من ثلثي مسلمي العالم، وإضافة إلى الحملة الدعائية التي وجهتها «MBC» للترويج للمسلسل، قامت بعرض برنامجين يتعلقان بسيرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه «عمر صانع الحضارة» لعمرو خالد، و»قصة الفاروق» لنبيل العوضي.
وكلف العمل التلفزيوني التاريخي «مسلسل عمر» الذي أثار ضجة كبيرة في العالم العربي والإسلامي 200 مليون ريال سعودي، إذ بلغ عدد القائمين عليه 30 ألفاً بين ممثل وطاقم عمل، ويتناول المسلسل سيرة الصحابي الجليل سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وما دار فيها من مواقف ومعارك منذ صغره وحتى وفاته، وقام بهذا الدور سامر إسماعيل في أول ظهور له على الشاشة، إذ أن جهة إنتاج العمل اشترطت أن يجسد شخصية «الفاروق» ممثل ليس له تاريخ في الدراما، وغير معروف في هذا المجال. وكان من ضمن اشتراطات جهة الإنتاج أيضاً، أن يوقع الممثل الشاب على إقرار بعدم أداء أي دور في أي عمل درامي أو مسرحي، لعدة سنوات، تبدأ من يوم الاتفاق على العمل.
وأوضح سامر إسماعيل أنه قرأ أكثر من عشرة مراجع ليتعمق أكثر في فهم شخصية الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه قبل البدء في تصوير العمل، ولم يكتف بخلفيته المبنية على الحكايات التي سمعها عن مآثره وخصاله، أو بالنص الذي كتبه د.وليد سيف وراجعه مجموعة من كبار علماء المسلمين تاريخياً ودينياً.
ويُذكر أن المسلسل من كتابة أشهر مؤلفي الدراما التاريخية د.وليد سيف الذي أنتج الكثير من الأعمال في هذا المجال كـ «الخنساء» و»شجرة الدر» و»صلاح الدين الأيوبي» و»صقر قريش»، كما شكل أيضاً فريق العمل مع المخرج السوري حاتم علي والفنان السوري تيم الحسن، وقالت إحدى المتابعين للمسلسل الإعلامية مريم فقيهي أن أعماله حازت على أفضل الأعمال التاريخية لذكائه الكبير في حبك السيناريو، فهو يستطيع من خلال نص حواري معين إيصال أكثر من رسالة مبطنة. يشار إلى أنه حاصل على شهادة الدكتوراه في اللغويات من جامعة لندن عام 1975م.
كما إن المسلسل من إخراج حاتم علي، الذي تميّز ببعض الأعمال الدرامية المصرية والسورية كـ»صلاح الدين الأيوبى» و»الملك فاروق» و»صقر قريش»، وحازت تلك الأعمال على نسبة مشاهدات عالية.
واستغرقت مدة العمل على المسلسل 322 يوماً من التصوير والمونتاج، ويشار إلى أن أغلب المشاهد صورت في المغرب بـ «مراكش، طنجة، الدار البيضاء، الجديدة والمحمدية» وسوريا، ويعرض حالياً في 5 قارات بعد أن دبلج إلى عدة لغات.
النص التاريخي
ولم يخل نص المسلسل «السيناريو» من مراجعة حثيثة قام عليها مجموعة من العلماء كما أوضح الأمين العام المساعد لاتحاد العلماء المسلمين د.سلمان العودة على موقعه الرسمي أن دوره في مسلسل الفاروق عمر لا يتعدى الإشراف ضمن مجموعة من العلماء على النص التاريخي المكتوب وتقديم الملحوظات ودراستها واعتمادها، دون الدخول في أي تفاصيل أخرى متعلقة بإنتاج العمل أو إخراجه أو تمثيله، مشيراً إلى أن المجموعة تكونت من «عبدالوهاب الطريري، وعلي الصلابي، وسعد مطر العتيبي، وسلمان العودة».
وأشار إلى أنه بعد دخول مؤسسة قطر للإعلام في شراكة إنتاج المسلسل مع «MBC» انضم كل من د.يوسف القرضاوي، وأكرم ضياء العمري، وفيصل بن جاسم آل ثاني، إضافة إلى مجموعة من الإعلاميين المطّلعين على أوضاع الأجيال الجديدة ليساعدوا على إعطاء أهمية لموضوعات الساعة.
وشدد د.العودة على أنّ «هذه المجموعة ليس لها أي علاقة بالعمل من حيث إخراجه، ولا بالتمثيل، ولا بالفتوى»، موضحاً أنّ «كل مهمتها تنحصر في شيء واحد هو «مراجعة النص التاريخي المكتوب، وليس لها علاقة بإخراج العمل أو أداء الأدوار.
ولفت إلى أنه بعد عرض المسلسل وجد تصريحات إيجابية لعدد من المشايخ الفضلاء من أبرزهم د.عبدالعزيز الفوزان والشيخ خالد المصلح وآخرون.
ونشر موقع «العربية.نت» لقاءً مع د.سلمان العودة، اعتبر فيه أن مسلسل «الفاروق عمر» لو ظهر من دون شخصيات سيكون هزيلاً.
حملة الانتقادات
وواجه المسلسل انتقادات وحملات كبرى لمنعه من العرض، علماً بأن المسلسل أخذ حيزاً واهتماماً ونقاشاً مستمراً على مواقع التواصل الاجتماعي ما بين مؤيد ومعارض، فمن الشخصيات المؤيدة للمسلسل د.سلمان العودة، و د.يوسف القرضاوي، وعادل الكلباني، ومحمد الددو، وعبدالوهاب الطريري، ود.علي الصلابي، أما بالنسبة لمعارضية فمن بينهم صالح الفوزان، ومفتي عام المملكة السعودية، والأزهر، وعبد العزيز بن فهد، ومحمد صالح المنجد، وعبدالله بن زايد آل نهيان «حملة أتعهد بعدم المشاهدة»، وصالح اللحيدان.
وأشار مفتي عام المملكة العربية السعودية عبدالعزيز آل الشيخ سابقاً إلى أن عرض سيرة عمر بالتحليل الاجتماعي والسياسي جعل منها مجالاً لنقد الناقدين ومحكاً للتجريح في أن يصور الفاروق مثلاً على هيئة إعرابي جلف قبل الإسلام، على الرغم من امتلاء دواوين الإسلام بفضائله والتأكيد على خلافته الراشدة، لذلك فإن من تبنوا فكرة إنتاج المسلسل مخطئون ضالون، إذ أنه يجب أن نجنب أصحاب نبينا هذا الغمز واللمز وننشرها كما جاءت لنا من كتب السير، فما كان من هذا المسلسل إلا طرق ملتوية تقدح في فضائله رضي الله عنه.
وشدد الأمير عبدالعزيز بن فهد في تغريدات له على صفحته الشخصية عبر موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» أنه سيبذل كل ما في وسعه من أجل إيقاف بث مسلسل «عمر» حتى وإن تطلب الأمر وصوله للقضاء، وأضاف «أشهدكم أني بريء من أعمال إم بي سي».
هذا وكان الأمير عبدالعزيز يشير في ذلك للمسلسل الذي تنتجه كل من «إم بي سي» وتلفزيون قطر والذي يجسد شخصية الفاروق عمر رضي الله عنه.
وأضاف أن الشيخ سلمان العودة والشيخ القرضاوي وإن كانا قد أفتيا بإجازة «المسلسل» فهما شريكان مع قناة «MBC» في المعصية، قائلاً: «يقولون إن العودة والقرضاوي مفتيان لهم. إن كان كذب فلتذهب «إم بي سي» و»قطر» إلى الله شديد المحال، وإن صدقاً فمعهم إلى لعنة الله».
مدخل شر
وأوضح النائب الشيخ عبدالحليم مراد أن المسلسل قد يحسن اليوم إظهار صورة عمر ولكنه سيكون مدخل شر لمن يريد الإساءة إليه، مضيفاً أن ما جاء في الكتاب والسنة عن سيرته رضي الله عنه يغني عن كل شيء، علاوة على أن المواقع الإلكترونية والأشرطة ضمت كلام أهل العلم.
وأشار إلى أن التمثيل لا يخلو من الاختلاط والتبرج والمخالفات الشرعية، والصحابة أجل وأعظم من أن يتقمص أحد شخصيتهم.
وقال الكاتب والمفكر السعودي د.محمد الحضيف معلقاً على الحملات التي تدعو لرفض المسلسل في تغريدات له على تويتر: «السجال حول (مسلسل عمر) غير مفيد، ويجب أن يوجه (الآن) للاستفادة منه حول آلية لإبراز شخصية هذا الرجل الفذ العملاق، ليس للأمة فقط بل للعالم كله».
وأضاف المحلل السياسي عبدالله الجنيد أنه يجب عدم تأليه الصحابة، إذ أن المسلسل من أفضل ما قدم من ناحية الأبعاد الفنية، فجميع الشخصيات جسدت دورها بقدرات فائقة أثبتت قدرة الدراما التلفزيونية على توظيف الكوادر العربية من المغرب العربي إلى شبه الجزيرة العربية.
ولفت إلى أن العمل يؤخذ بمجمله وليس بتفاصيله، وحينما ينتقد فيجب أن ينتقد بشكل موضوعي بعيد عن العاطفة، مشيراً إلى أننا معتادون في المعالجات الدرامية على احتكار الشخصية الرئيسة لتسعين بالمائة من حجم العمل، إلا أن مسلسل عمر قدم طابعاً جديداً يتمثل في تأثير الشخصيات والبيئة المحيطة على فكر وشخصية عمر بن الخطاب.
وقال: «نحن أمام موقف أدبي وفني وروحي يختلف عن غيره ويجب دعم هذا النوع من الأعمال، فقد بتنا اليوم معنيين بالتعريف بهوية الدولة الإسلامية».
النقد الفني
ورغم جودة الصورة والإمكانيات بجانب وجود قائمة طويلة بأسماء علماء قاموا بمراجعة المادة التاريخية والنصوص الدينية وعلى رأسهم يوسف القرضاوي ولكن كانت هناك أخطاء كثيرة في الحلقتين الأوليين أولها مواصفات شخصية عمر بن الخطاب والثانية بآيات القرآن وتوقيت نزولها ففي الحلقة الثانية والتى دارت في الفترة الزمنية التي لم يكن فيها الرسول يعلن دعوته جهراً وفي حوار بين عمار بن ياسر وأبويه يحاول فيه إقناعهم بالإسلام قرأ عليهما سورة الضحى التي لم تكن قد أنزلت فى ذلك الوقت.
وعلى صعيد آخر نجد أن مواصفات عمر بن الخطاب بالشكل بعيدة إلى حد كبير عن الممثل الذى يؤدي دوره فقد قال عبدالله بن عمر: «كان والدي أبيض تعلوه حمرة، طويلاً، أصلع، أشيب». وبالطبع ليس من العدل الإخلال بمجهود المخرج وفريق عمله بمحاولة إظهار القوة في شخصية عمر بن الخطاب، ولكن للأسف فالاختيار نفسه منذ البداية جانبه التوفيق، فالممثل من هيئته يبدو غزير الشعر على عكس عمر بن الخطاب إلى جانب أن صوته لم يكن قوياً وجهورياً ووصفه في «عبقرية عمر» للعقاد هي أقرب إلى حقيقة الفاروق، ومع أن المسلسل يسرد الأحداث بتريث ويزعم دقة التفاصيل إلا أنه لوحظ إسقاط أو تحريف بعضها. فعلى سبيل المثال من المعروف أن أخت عمر بن الخطاب أبَت أن تعطيه القرآن ليقرأه قبل أن يغتسل بينما لم يأخذ المسلسل بالاعتبار اغتساله، بل شوهدت أخته وقد قامت باعطائه المصحف لقراءته دون اعتراض يذكر.
كما إن النقاد قالوا إن العمل لا يرتقي إلى الأعمال التاريخية المبهرة والتي اشتهر بها حاتم علي في أعماله التاريخية السابقة فأغلب الحلقات كانت مجرد حوارات طويلة ومملة، بعض الشخصيات تظهر فجأة ثم تختفي ولا يوجد عنصر التشويق بالعمل إلا كونه يتحدث عن عمر بن الخطاب. أما من يؤدي دور عمر فهو من أول أدوات ضعف العمل فنياً حيث البرودة الغريبة بأدائه وجمود ملامح وتقاسيم وجهه، حتى مع أحداث تتطلب تفاعلاً إنسانياً طبيعياً لا تتغير. وربما لأنه أعطي دوراً أكبر من إمكانياته الحقيقية ولكن كان على مخرج العمل أو مساعديه أن يهتموا بمن يؤدي دور عمر ولكن يبدو أن المساحة التي وضعت للعمل جعلت المخرج لا يتمكن من أدواته جيداً خوفاً من خروج أية ملاحظات قد تؤدي إلى إيقافه.
أين عمر؟
وقال د. محمد عبدالله القواسمة في جريدة الدستور بتاريخ 8 أغسطس الحالي إن المسلسل لم يركز على شخصية عمر بن الخطاب الذي حمل المسلسل عنوانه، وهو الهدف الأساسي منه، فحتى الحلقة الثانية عشرة ظهر عمر شخصية ثانوية، وكانت الأحداث تحكي عن بداية الدعوة والصعوبات التي واجهت الرسول عليه الصلاة والسلام والمسلمين من زعماء قريش.
ولفت إلى أن لغة المسلسل بدت جزلة متشابهة في جزالتها لدى جميع الشخصيات الخاصة والعامة، وفي مختلف المواقف؛ فلغة وحشي قاتل حمزة تتشابه مع لغة عمر بن الخطاب، وفي الحلقة الثانية عشرة رأيناه يناقش قضية تحرره بلغة بعيدة عن واقعية الحال ولا تلائم صفاته الشخصية. كما يلاحظ أن التركيز أيضاً لم ينصب على تقديم الشخصيات والحوادث من الناحية الفنية، بل انصب على الاهتمام بالتاريخ. فعلا صوت التاريخ على صوت الفن؛ مما أفقد المشاهد التعايش مع المسلسل والتفاعل معه، إذ أن التاريخ معروف لديه، ولكنه يريد أن يراه حياً على الشاشة، وهذا ما لم يظفر به، حتى إن هذا التاريخ لم يكن مركزاً على عمر بن الخطاب أيضاً الذي كان أول من دوّن الدواوين وأقام العدل بين الناس وراقب الولاة وحاكمهم، وسير الجيوش لفتح البلدان.
وأشار إلى أن ما عرض من حلقات يسمح لنا بالقول إن المسلسل لم يوفق في تقديم شخصية عمر بن الخطاب رضي الله عنّه الذي يعتبره بعض الغربيين من المائة العظام، كما لم يكن على مستوى ما توقعه الذين لم يعترضوا على عرضه على الشاشة الفضائية.
قدرات متواضعة للبطل
وشددت الإعلامية مريم فقيهي على أنها كمشاهدة ليس لديها الصلاحية على الحكم في النصوص التاريخية، إلا أن صوت ممثل عمر بن الخطاب المدبلج أثر على جودة العمل، إضافة إلى أن قدراته التعبيرية لم تكن كافية لتجسيد شخصية الفاروق.
ولفتت الإعلامية فاطمة زمان إلى أن إخراج العمل تميز بإبراز التفاصيل الدقيقة في حياة قريش من خلال المعارك والحروب، وساعد ذلك التفاني في اختيار الديكورات المستخدمة وتصميم الأزياء والأماكن التي تم التصوير فيها.