كتبت - هدى عبدالحميد:
أعلن عضو هيئة التدريس بكلية الهندسة في جامعة البحرين د.عبدالرحمن محمد، عن إنجازه تقنية جديدة تُعد الأولى من نوعها بمنطقة الشرق الأوسط، حيث استطاع أنْ يحول الطاقة الحرارية إلى طاقة صوتية، يمكن استخدامها في تطبيقات التبريد بنظام جديد صديق للبيئة وكذلك إنتاج الكهرباء، وهو تخصص نال به درجة الدكتوراه من جامعة مانشستر في المملكة المتحدة، والتي تأتي في المرتبة الثامنة عشر على مستوى العالم في مجال الهندسة.
وقال د.عبدالرحمن إنَّ من المأمول تسخير هذه التقنية في مجالات التبريد المختلفة كالثلاجات والتكييف وإسالة الغاز الطبيعي، واستخدامها في إنتاج الكهرباء أو رفع طاقة إنتاجها، موضحاً أن هذه التقنية لم تنتشر على المستوى التجاري بعد، إلا أنَّ الولايات المتحدة الأمريكية تستخدمها حالياً على نطاق ضيق في بعض سفنها الفضائية، إضافة إلى استخدامها في إحدى قطعها العسكرية.
وأضاف: إنَّ من مزايا التقنية الجديدة عدم احتوائه على أجزاء متحركة كالتروس والمكابس وغيرها من القطع المتحركة، التي نجدها في أجهزة إنتاج أو تحويل الطاقة المختلفة، حيث إن الشيء الوحيد الذي يتحرك بداخل الجهاز هو الغاز المحتوى في داخله، موضحاً أنَّ هذه الأجهزة تحتاج إلى الطاقة الحرارية لتشغيلها، والتي يمكن الحصول عليها من عدة مصادر، مثل إحراق الوقود أو الطاقة الشمسية، وأشار إلى أنَّ هذه الميزة تشكِّل عنصراً جاذباً لدول المنطقة، حيث تسطع الشمس في معظم أيام السنة. ومن المفارقات أننا في منطقتنا الإقليمية نحتاج للتبريد في الوقت الذي نحصل فيه على أعلى كمية من الطاقة الشمسية. وبهذه المعادلة البسيطة يمكننا التفكير جدياً في التغلب على حرارة الشمس بحرارتها.
جاء ذلك خلال لقاء جريدة الوطن مع الدكتور عبدالرحمن السيد هذا نصه:
ما هو موضوع رسالة الدكتوراه؟
موضوع الرسالة يتعلق بتقنية هندسية حديثة تعتمد على ظاهرة تتحول فيها الطاقة الحرارية إلى طاقة صوتية، ومن ثمَّ يمكن استخدامها في تطبيقات التبريد بنظام جديد صديق للبيئة، ومن المؤمل تسخير هذه التقنية في مجالات التبريد المختلفة كالثلاجات والتكييف وإسالة الغاز الطبيعي، وكذلك يمكن استخدامها في إنتاج الكهرباء أو رفع طاقة إنتاجها.
والواقع أن هذه التقنية لم تنتشر على المستوى التجاري بعد، إلا أنَّ الولايات المتحدة الأمريكية تستخدمها حالياً على نطاق ضيق في بعض سفنها الفضائية، إضافة إلى استخدامها في إحدى قطعها العسكرية.
وتجدر الإشارة إلى أنني كنت أعمل خلال سنوات دراستي ضمن الفريق الوحيد في المملكة المتحدة العامل في هذا المجال، وقد كنت العربي الوحيد في المجموعة ويعد هذا الفريق أحد الفرق المعدودة في العالم، التي تبحث في تطوير هذه التقنية في العالم وقد يكون أشهرها، وعلى سبيل المثال مختبرات (لاس الاموس) في الولايات المتحدة الأمريكية، والتي قامت بتصنيع أول قنبلة ذرية.
ما هي مميزات استخدام هذه التقنية؟
لهذه التقنية مجموعة من المميزات التي تؤكد جدوى استخدامها. ومن تلك المزايا أنها لا تحتوي على أجزاء متحركة كالتروس والمكابس وغيرها من القطع المتحركة، التي نجدها في أجهزة إنتاج أو تحويل الطاقة المختلفة، حيث إن الشيء الوحيد الذي يتحرك بداخل الجهاز هو الغاز المحتوى في داخله. وهذه الميزة تعني عدم الحاجة لأي تزييت وتخفض كلفة الصيانة إلى مستويات تكاد لا تذكر. كما أن هذا الأمر يعني إطالة عمر الجهاز لعشرات السنين.
كما تتميز الأجهزة التي تعمل بهذه التقنية بأنها تستخدم غازات صديقة للبيئة كالهواء الجوي أو النيتروجين أو الهيليوم أو الآرجون أو مزيج منها، وجميعها غازات صديقة للبيئة، ولا تؤثر سلباً على صحة الإنسان أو الكائنات، ولا تضر بطبقة الأوزون في حال حدوث أي تسرب محتمل، كما هي الحال مع الغازات المستخدمة في أنظمة التبريد التقليدية.
وتحتاج هذه الأجهزة إلى الطاقة الحرارية لتشغيلها، والتي يمكن الحصول عليها من عدة مصادر مثل إحراق الوقود أو الطاقة الشمسية، والواقع أن هذه الميزة تشكِّل عنصراً جاذباً لدول المنطقة، حيث تسطع الشمس في معظم أيام السنة. ومن المفارقات أننا في منطقتنا الإقليمية نحتاج للتبريد، في الوقت الذي نحصل فيه على أعلى كمية من الطاقة الشمسية. وبهذه المعادلة البسيطة يمكننا التفكير جدياً في التغلب على حرارة الشمس بحرارتها.
وفي نفس السياق يمكننا استغلال الحرارة التي تخرج مع الغاز الساخن الناتج من التوربينات الغازية، كمصدر للطاقة المشغلة لهذه الأجهزة، ومن ثم استخدامها في تبريد الهواء الداخل إلى التوربينات الغازية، مما يرفع إنتاج الطاقة الكهربائية في الأيام الحارة، وهو ما يصب في مصلحة مستهلكي الطاقة في فصل الصيف، ويمكن أن يؤدي ذلك إضافة إلى ما تمت الإشارة إليه في الفقرة السابقة، إلى حل لمسألة انقطاع الكهرباء في فصل الصيف الناتج عن ارتفاع الطلب على الطاقة الكهربائية، وانخفاض طاقة الإنتاج دون الحاجة لتحمل الدولة كلفة إضافية لبناء محطات جديدة.
ومن مميزات هذه الأجهزة بساطة تصميمها وتصنيعها، بالمقارنة مع أجهزة إنتاج وتحويل الطاقة الأخرى مما ينعكس بالإيجاب على كلفة إنتاجها بشكل تجاري في المستقبل. ولا يزال العمل على تطويرها لتحسين كفاءتها مستمراً في بعض دول العالم مثل الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة والصين واليابان وبعض الدول الأوروبية وقريبا في البحرين بإذن الله.
ما هو شكل الجهاز وكيف يعمل بشكل مبسط؟
الجهاز عبارة عن أنبوبة من الحديد المقاوم للصدأ تصنع بشكل حلقة ويحتوي على مادة صلبة بسمك مناسب، وتتخللها قنوات ضيقة كثيرة تسمح بمرور الغاز من خلالها، ويوضع على طرفي المادة الصلبة المذكورة نظامي تبادل حراري، أحدهما يعمل بدرجة حرارة الجو والآخر يسخن الطرف المحاذي له من المادة الصلبة إلى درجات الحرارة اللازمة لحدوث الظاهرة، التي يتم من خلالها تحويل الطاقة الحرارية إلى طاقة صوتية عالية، تصل في مستوى الضغط الديناميكي لها إلى ما يزيد على مائة مليون مرة بالمقارنة مع صوت الناس في حديثهم مع بعضهم، ومن ثم يمكن استخدام تلك الطاقة الصوتية عبر ظاهرة معاكسة يتم من خلالها تحويل الطاقة الصوتية إلى طاقة تبريد، يمكن استخدامها في تطبيقات مختلفة في الاستخدام اليومي أو الصناعي حسب الحاجة.
ما هي الصعوبات التي واجهتها أثناء دراستك؟
في بداية الدراسة واجهت بعض الصعوبة في فهم الموضوع، لكوني لا أملك أية خلفية أو أي اطلاع سابق في هذا المجال، وهذه كانت حال كل زملائي في المجموعة، إلا أنَّ هذا الأمر كان بمثابة تحدٍّ لي لتعلم ما هو جديد، وكان التحدي الأكبر يتمثل في بناء جهاز يعمل بهذه التقنية دون أي خبرة سابقة، ولم يكن لدينا أي جهاز يعمل بهذه التقنية آنذاك، وقد استغرق ذلك الأمر جهداً ووقتاً كبيراً، وفي بعض الأحيان كنت مضطراً لتصنيع بعض أجزاء الجهاز بيدي، وذلك لعدم قدرة الفنيين على تصنيعها بالمواصفات المطلوبة، أو لانشغالهم بالعمل على تكليفات أخرى من باحثين آخرين. وقد شكلت تلك المرحلة التحدي الأول والأصعب في موضوع الرسالة واستطعت بعد اجتيازها بفضل الله أن أجري العديد من التجارب المعملية والتي تجاوزت في عددها 1000 تجربة.
كما كانت هناك اشتراطات للحصول على درجة الدكتوراه وفق أنظمة الجامعة وقد أتيح لي الخيار بين عمل رسالة تقليدية، أو ما يعرف بالرسالة على النظام البديل وهي أن يقوم الباحث بنشر بحثين علميين من عمله في دوريات علمية عالمية مرموقة، واستطعت أن أنشر أربعة أبحاث إضافة إلى حضوري أربع مؤتمرات علمية دولية بأوراق بحثية قمت بإعدادها من خلال نشاطي البحثي في كل من كولارادو، ونيو مكسيكو، في الولايات المتحدة الأمريكية، ودبي، وبولندا.
هل هذا يعني أن هناك اكتشافات توصلت إليها خلال مرحلة الدراسة؟
نعم، لقد وفقني الله باكتشاف ظاهرة جديدة ولأول مرة في مجال التخصص المذكور وقمت بدراستها بشكل مبدئي، وتمكنت من تقديم وصف علمي وتفسير منطقي للظاهرة المكتشفة، حيث لاحظت في إحدى تجاربي حدوث تغير في الضغط الديناميكي داخل الجهاز وبتباين يشبه هيكل السمكة، وقد شكَّل هذا الأمر حافزاً لي لإجراء المزيد من التجارب للتقصي حول الظاهرة الجديدة المكتشفة، والتي قد يكون لها مردود إيجابي على كفاءة الجهاز في المستقبل وسيتم نشر بحث مفصل حول تلك الظاهرة المكتشفة في إحدى دوريات الطاقة المرموقة في القريب العاجل، حيث تمَّ قبوله للنشر.
رغم صعوبة هذا التخصص فما هي الأسباب التي دفعتك إلى اختياره؟
لقد كنت حريصاً عند اختياري لموضوع رسالة الدكتوراه، أنْ يكون حول موضوع أستطيع من خلاله تقديم ما هو مفيد لوطني في المقام الأول، وارتأيت أنْ أختار البحث في إحدى تقنيات التبريد، التي يمكن أن نستفيد منها في البحرين حيث تستهلك معظم الطاقة الكهربائية في المنازل والمباني في تكييف الهواء، مما يشكل ضغطاً على محطات الكهرباء. وعندما سمعت بهذه التقنية وعلمت أن لها تطبيقات في مجال التبريد، كان ذلك الأمر حاسماً في اختياري للموضوع، والحمد لله أنه كان اختياراً موفقاً للغاية. والواقع أنَّ حماسي الشخصي للموضوع ورغبتي في الإسهام في حل مشكلة النمو المتزايد في استهلاك الطاقة الكهربائية شجعاني حيث أنني أرى أن خفض هذا النمو، يمكن أن يسهم في توفير كلفة إنتاج الطاقة، مما يعني توفير بعض المال الذي يمكن للدولة أن تضخه في أي مجال آخر يستفيد منه المواطن.
ما هي تكلفة الجهاز؟
لا شك أن بناء جهاز خاص لإجراء التجارب يكون باهظ الكلفة بالقياس إلى الأجهزة المستخدمة في التطبيقات الحياتية، وهذا ينطبق على الأجهزة التي تعمل بهذه التقنية، ولأن المادة الصلبة وأنظمة التبادل الحراري على طرفي تلك المادة تشكل قلب الجهاز، فقد قمت بإجراء الكثير من التجارب للوصول إلى مادة يمكن الحصول عليها بكلفة منخفضة للقيام بدور المادة الصلبة المطلوبة، وقد نجحت في المقارنة بين عدة بدائل، منها المادة السلكية الحديدية المستخدمة في غسيل القدور المعدنية “الليفة كما نعرفها في اللهجة المحلية” ومادة شبكية من الحديد ومادة مصنوعة من السيراميك وتستخدم في عوادم السيارات، إضافة إلى مواد أثبتت عدم جدواها ككريات الحديد والزجاج. وسأعمل على إيجاد بدائل أخرى مناسبة ومنخفضة التكلفة مستقبلاً. وأتوقع أن تنخفض كلفة إنتاج هذه الأجهزة بشكل كبير عندما ترتفع كفاءتها، ويتم تصنيعها على نطاق تجاري.
هل هناك خطوات معينة ستتخذها لنشر معلومات حول هذه التقنية في البحرين؟
إنَّ عملي في المجال الأكاديمي يتيح لي الفرصة لنقل ما تعلمته لزملائي وطلبتي في الجامعة، وسأقوم بتقديم محاضرة خاصة خلال الفصل الدراسي القادم، حول موضوع الرسالة والدعوة عامة لكل من يريد التعرف على هذه التقنية، كما إنني أرحب بكل من يرغب في التواصل معي حول الموضوع. وسوف أقوم بتسليم نسخة من رسالتي إلى مكتبة جامعة البحرين لسهولة الاطلاع عليها.
لمن تهدي نجاحك في الحصول على الدكتوراه؟
أتشرف بإهداء جهدي في رسالة الدكتوراه إلى مقام سيدي حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى والحكومة الرشيدة، وإدارة جامعة البحرين وكل من ساندني في سنوات دراستي خصوصاً والدتي وأخي عبدالقادر السيد والدكتور ياسر العلوي والأستاذ الدكتور يوسف عبدالغفار والدكتور حسين المدني والأستاذ الدكتور أحمد يوسف والدكتور خالد الخليفة وعائلتي.