كتبت - زهراء حبيب:
أكدت محكمة الاستئناف العليا في حيثيات حكمها في قضية قطع اللسان والاعتداء على محمد عرفان بخش، أنها ارتكزت في حكمها على الاعتداءات الجسيمة والمتعددة في رأس المجني عليه، التي أسفرت عن تعرضه لعجز كلي بنسبه 100%، بسبب إصابات بليغة بالمخ أدت إلى دخول المجني عليه في حالة اللاوعي، ولم تعول في ثبوت العاهة على واقعة قطع اللسان. وقالت إن جريمة الضرب المفضي لعاهة مستديمة تكاملت أركانها في حق المتهمين جميعاً، مع توافر سبق الإصرار بعد تحريضهم من قبل المتهم محمد حبيب منصور الصفاف (المقداد) فتسلحوا بالعصي وأسياخ الحديد والألواح الخشبية والسيوف والسكاكين، وتوافرت لديهم من بواعث لإحداث فوضى ظناً منهم أن ذلك سوف يقلب نظام الحكم في مملكة البحرين. ولفتت إلى أن التحريض العلني أكثر خطورة من التحريض الفردي لأن وسائل العلانية باعتبار أثرها ممتداً إلى عدد كبير من الأشخاص، وعليه يكون المقداد مسؤولاً عن النتائج المحتملة لما صدر منه من تحريض.
إثارة الغضب
الواقعة حسبما استقرت في يقين المحكمة وطمأن إليها ضميرها في أنه بتاريخ 13 مارس 2011 اعتلى المتهم محمد حبيب منصور محمد وآخر غير ممثل في الاستئناف أحد المنصات بدوار مجلس التعاون وخطبا في حشود المتجمهرين محرضاً إياهم عن خلق فوضى في البلاد والاعتداء على الآسيويين القاطنين بالمنامة وقد استجاب المتهمون من الأول إلى السابع والعاشر إلى هذا التحريض المتهمين محمد حبيب المقداد، والآخر الذي كان معه (عقيل أحمد علي محفوظ وغير الممثل بالاستئناف) من حوله على المتهمين وغيرهم بصفتهما من رجال الدين فضلاً عن تأثيرهما الخطابي في تحريك وتحفيز وإثارة غضب حشود المتجمهرين وتفجير النعرة الطائفية لديهم فتوجه المتهمون المذكورون من الأول إلى السابع والعاشر بسيارة باص صوب منطقة النعيم بالقرب من مسجد المهزع متسلحين بالعصى وأسياخ الحديد والأسلحة البيضاء وألواح الخشب. وأشارت الحيثيات إلى أنه عند نزولهم من الباص تصادف عودة المجني عليه عرفان محمد بخش من المسجد إلى مسكنه فأعتدى عليه بما في أيديهم من أدوات وأسلحة. وتدخل رجل مسن تصادف وجوده صارخاً في المتهمين طالباً منهم الكف عن الاعتداء على المجني عليه فسارع الآخر بالهرب إلى مسكنه إلا إن المتهمين تعقبوه وكسروا باب مسكنه وأتلفوا ما به من منقولات وكسروا باب غرفة المجني عليه وأنهالوا عليه بالضرب جميعهم بما يحملونه من عصى وأسلحة في جميع أنحاء جسده حتى وقع على الأرض، مخضباً في دمائه مغشياً عليه وعاد المتهمون أدراجهم إلى دوار مجلس التعاون. وتخلف لدى المجني عليه من جراء هذا الاعتداء عاهة مستديمة يستحيل برؤها وعجز كامل 100% بسبب إصابات بليغة بالمخ أدت إلى دخول المجني عليه في حالة اللاوعي. وثبت من تقرير الطبيب الشرعي أنه أوقع الكشف الطبي على المجني عليه، وكان راقداً في غيبوبة تامة ومتصلاً بأجهزة مراقبة طبية عليه حافظه لعدم قدرته التحكم على التبول والتبرز- معطل الحواس بشكل عام، وحالته خطيرة للغاية ونشأ عن إصابته بالرأس ومضاعفاتها عجز كلي. وشهد استشاري جراحة المخ والأعصاب بالتحقيق النهائي الذي أجرته المحكمة بأن المجني عليه في حالة لاوعي وقد أدخل المستشفى العسكري نتيجة الاعتداء على رأسه أسفر عن نزيف في المخ في كافة أنحاء مخه مما يدل على تعرضه لضربات شديدة متعددة على الرأس وتم إجراء عملية سحب النزيف من المخ، وكان ضغط المخ شديداً لدرجة أنه تم نزع عظام الرأس لتخفيف الضغط على المخ ثم تم إرجاع العظام بعد أكثر من شهر وتم عمل فتحة للتنفس بالرقبة وفتحة أخرى للتغذية وأنه في حالة لاوعي ولا يستطيع عمل أي شيء وقد تبين وجود جرح غائر باللسان أقرب إلى التام وتعرض لحالة تيبس بركبته اليمنى والحوض ويعاني من التهابات لعدم إمكانية طرد البلغم ويستحيل تحسن حالته.
وقالت المحكمة أركان جريمة الضرب المفضي إلى عاهة مستديمة بالمجني عليه محمد عرفان أحمد بخش مع سبق الإصرار قد تكاملت أركانها في حق المتهمين جميعاً فقد ثبت من تقرير الطبيب الشرعي ومن شهادة طبيب جراحة المخ والأعصاب أنه تم رفع غطاء الرأس (أي نشر عظام الجمجمة) لتخفيف الضغط على المخ نتيجة ما تعرض له المجني عليه من إصابات وتعددها وتم الاحتفاظ بالغطاء لأكثر من شهر أعيد مرة أخرى إلى موضعه واستقرت حالة المجني عليه بعد الغيبوبة وأنه أصبح في حالة لاوعي ولا يشعر بمن حوله ولا يستطيع عمل شيء وتعرض لحالة تيبس بركبته اليمنى والحوض ولا يستطيع بسطها وفي حالة عجز كامل ويستحيل تحسن حالته، وبالتالي فإن إصابات المجني عليه على نحو ما تقدم تعد عاهة مستديمة يستحيل برؤها وتعول المحكمة وصف العاهة على نحو ما سوف يرد.
وأكدت توافر سبق الإصرار لدى جميع المتهمين بعد تحريضهم من قبل المتهم محمد حبيب منصور الصفاف فتسلحوا بالعصي وأسياخ الحديد والألواح الخشبية والسيوف والسكاكين، مما كان يوزع عليهم أسفل الخيمة التي كان يقف المتهم محمد حبيب عليها ثم استقلوا باصاً صوب المنامة ناوين الاعتداء بالضرب على الجنسيات الآسيوية وبالتالي كان لديهم من الفرصة ما سمح لهم بالتروي والتفكير فيما هم مقدمون عليه، فضلاً عما توافر لديهم من بواعث لإحداث فوضى ظناً منهم أن ذلك سوف يقلب نظام الحكم في مملكة البحرين، حسبما خطب فيهم المتهم محمد حبيب منصور. وأوضحت أن الإصابات المتعددة والشديدة التي لحقت بالمجني عليه عرفان محمد بخش والموصوفة تفصيلاً بتقرير الطبيب الشرعي وشهادة الاستشاري بأن الإصابات بمنطقة الرأس هي التي أدت إلى العجز الكلي بالمجني عليه وبالتالي تكون العلاقة قد توافرت بين فعل الضرب الذي ارتكبه المتهمون وبين العاهة التي تخلفت بالمجني عليه. وأشارت إلى توافر القصد الجنائي في حق المتهمين جميعاً من تعديهم بضرب المجني عليه، إذ لا يشترط للعقاب على العاهة أن يكون المتهم قد تعمد إحداثها، وإنما يشترط فقط أن يكون تعمد الضرب الذي نشأ عنه فيحاسب عليها على أساس أنها من النتائج المحتملة لفعل الضرب الذي تعمده ولو لم يكن قد رمى إليها ولا ينال من توافر القصد الجنائي لدى المتهمين جميعاً أن القصد الجنائي لديهم كان غير محدد، إذ اتجهت إرادتهم إلى الضرب دون تحديد لشخص المجني عليه، إذ لا أهمية قانونية لذلك فالقصد المحدود حكم القصد غير المحدود، ومن توافر لديه أحدهم يسأل عن جريمته عمداً. وأضافت المحكمة في حيثيات حكمها “كما توافرت أركان الاشتراك في ارتكاب جريمة الضرب المفضي إلى عاهة في حق المتهم محمد حبيب منصور المقداد، إذ هو الذي خلق فكرة الجريمة لبقية المتهمين، ودعمها إلى أن تحولت إلى تصميم على ارتكابها بأن اعتلى المنصة في دوّار مجلس التعاون وأخذ يخطب فيهم علانية بضرورة إحداث فوضى بالعاصمة والاعتداء على الآسيويين حتى يتم إسقاط نظام الحكم اعتماداً منه على ماله من حول وسلطان عليهم بصفته أحد رموزهم ورجل دين له مكانة في نفوسهم”.
وقالت المحكمة في حيثيات الحكم إنه لا ينال من ذلك أن التحريض العلني والذي أتاه المقداد كان موجهاً لجمهور الناس دون أن يعرف أفراد هذا الجمهور الذي يخاطبه، إذ أن التحريض العلني أكثر خطورة من التحريض الفردي لأن وسائل العلانية باعتبار أثرها ممتداً إلى عدد كبير من الأشخاص، فضلاً عن أن جماهير الناس أسرع تأثراً وأشد انفعالاً. وقد تحققت النتيجة الإجرامية للنشاط المذكور بأن وقعت الجريمة التي كان يحرض عليها وارتكب باقي المتهمين أفعال الضرب والإتلاف وبالتالي يكون المتهم محمد حبيب منصور مسؤولاً عن النتائج المحتملة لما صدر منه من تحريض.
وأشارت المحكمة إلى أنه بالنسبة لسماع شهود النفي والطبيب الفني باستحالة مسك اللسان فإن المحكمة -وعلى نحو سبق بيانه- لم تعول في ثبوت العاهة على واقعة قطع اللسان وإنما استندت إلى الاعتداءات الجسيمة والمتعددة برأس المجني عليه والتي تسببت في نزيف بالمخ وتورم مما أدى إلى رفع غطاء الرأس (نشره) والاحتفاظ به لأكثر من شهر حتى تخف حالة التورم الشديد. وأعيد مرة ثانية إلى موضعه فيما بعد، ونتج عن ذلك عاهة مستديمة هي دخول المجني عليه حالة اللاوعي مع عدم القدرة على التنفس الطبيعي والبلع وتيبس بالحوض والركبة واستحالة بسط الركبة. وهو ما يعني التعديل في وصف العاهة، فلا جدوى من سماع شهود نفي -حتى ولو كانوا من أهل الخبرة- بشأن استحالة مسك اللسان طالما أن المحكمة وعلى نحو ما تقدم لم تركن في ثبوت العاهة إلى واقعة مسك اللسان.
وعدلت المحكمة وصف العاهة أذ أسندت إلى المتهمين أنهم في 13 مارس 2011 بدائرة مديرية محافظة العاصمة المتهمين من الأول حتى السادس والتاسع أحدثوا عمداً وآخرين مجهولين مع سبق الإصرار بالمجني عليه الإصابات الموصوفة بتقرير الطبيب الشرعي بأن عقدوا العزم وبيتوا النية واتحدت إرادتهم على الاعتداء على آسيوي الجنسية وما أن ظفروا بالمجني عليه يسير في الطريق حتى توجهوا نحوه واعتدوا عليه بما كانوا يحملونه من أدوات وأسلحة ثم تعقبوه إلى مسكنه وواصلوا الاعتداء عليه في كافة أنحاء جسمه وعلى رأسه فأحدثوا به الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي الشرعي والتي خلّفت لديه من جرائها عاهة مستديمة يستحيل برؤها وهي التلف بمراكز المخ ودخول في مرحلة اللاوعي على نحو دائم وإعاقة لتيبس الركبة اليمنى، وكان ذلك تنفيذاً لغرض إرهابي هو الإخلال بالنظام العام وإحداث فوضى بما يعرّض حياة الأشخاص للخطر ويبث الرعب في نفوسهم ويروعهم على النحو المبين بالأوراق.