تقوم فلسفة الفعل الخليجي العربي، اليوم، على ركيزتين أساسيتين، أولاهما الأمن، والأخرى الاستقلالية، وثلم أية واحدة منهما، نفي وهدم لوجود الشخصية والدولة والكيان الخليجي العربي بتفاصيله كلها. وهذا الكلام يتعدى الإطار النظري إلى حيز البناء الواقعي والديمومة، وهو ما نلمسه في الفعل الاستراتيجي الخليجي العربي المتوجه استجابة لتحديات الراهن المحلي والإقليمي والدولي، نحو توحيد منظومته الكيانية، سياقات رسمية واجتماعية ونظرية وعملية. تحديات الدولة الخمينية وقيام مجلس التعاون الخليجي، في الحقيقة، إنما هو استجابة في تياره الرئيس، لتحد طرحته “الدولة الخمينية” في الساحة الخليجية، يمكن تشخيصه وتلخيصه، بمبدأ “تصدير الثورة”، الذي يمكن الاستعاضة عنه، أو مرادفته بـ(العدوانية) الإيرانية الاستحواذية، المعلنة والمبطنة، على مقدرات دول الخليج العربي بعامة: كياناتها وثرواتها، وإن بدت البحرين في أول الصورة. وتحديات الدولة الخمينية هذه، وإن كانت استمراراً لتحديات الدولة الفارسية أصلاً، إلا أنها وكما هو واضح مثلت نسفاً أو ثورة إن صح التعبير على أساليب الدولة القديمة وآلياتها ووسائلها، وبخاصة ما عدّته تفريطاً بحقوق قومية تاريخية من المحرم التفريط بها، كاعتراف رئيس وزراء الشاه أمير عباس هويدا بعروبة دولة البحرين واستقلالها على وفق استحقاقات اختيار ممثلي شعب البحرين، والإقرار الدولي بذلك، ودفع هويدا حياته ثمن ذلك الاعتراف حين أصر خميني على إعدامه صاماً أذنيه عن توسلات العالم ووساطات شخصياته المعتبرة. والتحدي الإيراني الأول، الذي انتقل من الإطار النظري (تصدير الثورة) إلى الواقع العملي، بالحرب على العراق، وتأسيس الأحزاب والمليشيات المسلحة الطائفية، ونشر ما سمي بالخلايا النائمة، ومراكمة عمليات شراء الذمم والموالين في جميع المضامير، وفي عموم الوطن العربي والعالم، وفي الخليج بنحو خاص ومركز، وإن بدا أن العراقيين تمكنوا من لجمه في حرب الثمان السنوات، وبدت إيران خاتمي تطرح خطاباً وسلوكاً وتوجهات ناعمة نحو العالم والعرب، والخليج أيضاً بصفة خاصة ومركزة، حتى تمكنت من إقامة علاقات متطورة وعالية المستوى ووثيقة مع السعودية، على سبيل المثال، التي نعرف مدى كره خميني وعدائه لها، وتبدى ذلك مظهرياً في ما سمي “حوار الحضارات” و«حوار الأديان” وما إلى ذلك، من تغليب لهجة الحوار ولغته على لهجة العنف ولغته، التي تسيّدت الخطاب الإيراني قبل وفاة خميني، وبدا أن إيران أمسكت بطريقها الصحيح في التعامل مع العالم، ومخاطبته بلغة المصالح المتبادلة بديلاً لتلك العدوانية، وهو ما فتح الأبواب واسعة لآمال عريضة في تغير التحديات والموازين الاستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط بعامة، وفي الخليج العربي بخاصة. الوجه الآخر للتومان الخميني إلا أن خاتمي وتياره المظهري، لم يكن أكثر من الوجه الآخر لتومان خميني ودولته : دولة ولاية الفقيه العدوانية الاستحواذية، التي لا تنفك عن إرادة التمدد والتطلع إلى ما في يد الآخر، بل حتى إلى وجوده. وبراغماتية نظام خميني التي أقرت التراجع وتجرع السم، حين وجد خميني نفسه ونظامه في مواجهة (عاصفة عراقية عربية عالمية) لا قِبَلَ له بها، وأنها توشك أن تطيح به، هي التي أوجدت خاتمي وتياره، وحملته مهمة الانحناء أمام تلك العاصفة، بدلاً من الانكسار في مهبها، إلى حين، وهو ما كشفته أوراق زمن الدولة الخمينية في المرحلة اللاحقة، حين أسقطت بعد خروجها من شرنقة الإنهاك، ونهاية مشوار “أتمسكن لحد ما أتمكن – تيار خاتمي ومعطياته كلها، وبيّنت أنه لم يكن أكثر من قناع تلبسته مؤقتاً. عودة مبدأ تصدير الثورة وعاد مبدأ تصدير الثورة محموماً يتسيد سلوك الدولة الخمينية، ويحولها إلى آلة تنفيذية لأغراضه، وبخاصة بعدما توفرت له ظروف مواتية في العراق المحتل، ليضاف إلى ركيزتيه الأخريين في الإقليم، سوريا الأسد ولبنان نصر الله، ولتنتشر خلايا ولاية الفقيه بزخم أكبر في دول الخليج، وبخاصة في البحرين، ولتتغير أساليبها ووسائلها، إذ بات التدريب العسكري، والسلوك العنفي جزءاً من منهج المواجهة مع النظام القائم، ولتتسيد فكرة التسقيط السياسي والإقصاء الطائفي، فعاليات هذه الخلايا والدرنات الديموغرافية، التي سبق أن زرعتها ونمتها إيران الفارسية، وكاثرتها واستغلتها بأسلوب جديد إيران ولاية الفقيه، فأعانتها إلى حد بعيد التطورات الدراماتيكية ومستجدات الجيوبوليتيك في المنطقة، إذ الغي ثقل العراق في الموازنة الإقليمية الاستراتيجية، وفتحت أراضيه ساحة لألعاب نظام ولاية الفقيه ونفوذه. وعاد، كما قلنا، وبقوة متصاعدة مبدأ “تصدير الثورة”، وخطاب التعالي والعنف والعجرفة والتهديد، وشطبت طروحات ما أسمي بالتيار الإصلاحي، مع أنه مازال يتحرك لحاجة في نفس يعقوب، يخص الطوارئ التي لا تني براغماتية ملالي طهران تفاجئنا بها بين مرحلة وأخرى بحسب الضغوط التي تتعرض لها وهي تنفذ برامجها، وتقدم ما أسمي بـ«خط الإمام أو المتشددين” المتمثل بإمبراطورية حرس خميني، وتبدى ذلك في فوز نجاد في الانتخابات الرئاسية عام 2009، الذي جوبه بردة فعل شعبية عارمة الغضب، فالشعوب الإيرانية اكتشفت حقيقة ولاية الفقيه كنظام فاشي استبدادي متستر بالدين. وشهدت الولاية الثانية لنجاد وبخاصة في السنتين الأخيرتين، ارتفاعاً محموماً في درجة حرارة العودة إلى مبدأ تصدير الثورة، وحين لم يتمكن نجاد من مجاراته، على الرغم من تصريحاته العنترية المعروفة كلها، طفت على السطح مواقف خلافية بينه وبين خامنئي مما جعل الأخير يهدد بإلغاء منصب رئاسة الجمهورية، إلا أن الأمور لم تتطور بعيداً بسبب التحديات الكبيرة التي كان يواجهها النظام على خلفية ملفه النووي، والعقوبات التي راحت تزيد من هشاشته، وتفك أصابع قبضته عن عنق الشعوب الإيرانية، هذا الارتفاع المحموم في حرارة مبدأ تصدير الثورة، كما أرى، انعكاس لجوهر الضعف المتزايد الذي تعاني منه الدولة الخمينية، التي لا تجد من وسيلة للاستمرار غير تصدير أزماتها إلى الخارج، وليس كزعزعة الأوضاع الأمنية في الخليج من وسيلة مثلى لإبعاد النظر عن تفجرات الداخل الإيراني والتنفس بقصبتها دفعاً للاختناق بمشكلات الداخل المتفاقمة، وهو ما شهدناه في البحرين ابتداءً من فبراير العام الماضي. التحدي الإيراني وعلى وفق هذا الخط الاستعراضي العريض، عاد التحدي الإيراني خليجياً، كأقوى ما يكون، بل ما يزيده قوة واندفاعاً هو رغباته التعويضية في إيجاد بدائل لمواقعه التي يتوقع خسارتها في سوريا، التي تشهد ثورة شعبية متنامية متواصلة، على الرغم من البطش والعنف الدموي الذي تواجهها به أدوات النظام المدعوم بأجهزة الأمن والمخابرات الإيرانية ومليشياتها المسلحة في العراق وسوريا ولبنان، وانفراط عقد التحالف الوطني الحاكم في العراق، وبروز تيار السعي لإسقاط الحليف الإيراني فيه (المالكي)، ونظام ولاية الفقيه على هذا بات في زاوية حرجة، لا بد له من التصرف ولو بعنف للخروج منها وقطع الحبل الذي يلتف حول عنقه، وهو ما يفعله الآن، في ما أسماه بعضهم رفسات الثور المحتضر الأخيرة، مما يجعل استجابة دول الخليج العربية، لتحديات العدوانية الإيرانية، ضرورة حتمية لا بد منها لحماية كينونتها، وأمنها واستقلاليتها، والاستجابة، كما ترى هذه الدول، هي من نمط الاستجابة الأولى للتحدي الأول الإيراني، التي أسست كيان مجلس التعاون الخليجي، وهي بالمباشر تطوير هذا المجلس والانتقال به من حالة التعاون إلى حالة الاتحاد، وتفعيل المادة الرابعة من ميثاقه التأسيسي، وهي كما أرى ويرى المنصفون، استجابة في منتهى الصوابية، وقراءة صحيحة لواقع التحدي الإيراني الذي شهد في المقابل، تصعيداً في رد الفعل المضاد داخلياً وخارجياً، وصل إلى حد المطالبة بضم البحرين إلى دولة ولاية الفقيه الإيرانية، في مقابل التوجه البحريني السعودي لتوحيد الرؤية والفعل والموقف، وربما الكيان الرسمي بصيغة من صيغ الاتحاد، كما نشرت صحيفة (كيهان) الطهرانية. وإيران ولاية الفقيه، تصرفت بذكاء في تنشيط فعاليات تصدير الثورة، وبخاصة عندما زامنتها مع الحراك العربي في تونس وليبيا ومصر وسوريا واليمن، مع أنها لم تجن منها ما كانت تأمل، وفشلت بمرارة في البحرين، إنما لا يمكن إنكار مدى الضرر الذي ألحقته بأمن البحرين واستقرارها، على سبيل المثال، بعدما بدأت تنفيذ مؤامرتها الإلحاقية لها، منذ فبراير من العام الماضي حتى اللحظة، وبراعتها في استغلال مظلومية إعلامية مبتدعة، على غرار خطاب خميني والمؤسسة الحوزوية الإيرانية في مواجهة الشاه عام 1979م، وتوجيه عملائها ودرناتها وخلاياها النائمة، والسذج التابعين من المراهقين والصبية مغسولي الأدمغة المعروفين بالاندفاع العاطفي بعد عمليات شحن طائفي تمرس خبراؤها سنوات عديدة في أداء مهماتهم وربطها بخطاب المظلومية التاريخية تلك، المصبوغة بهالة قدسية لا أحد يجرؤ حتى على التساؤل عن قيمتها الاعتبارية لمستقبل هؤلاء الصبية، وبخاصة وهي تنطلق عبر منابر وكلاء المرجعيات الطائفية، لكن ذلك بالمحصلة الواقعية، قاد الأمور على الأرض، إلى ما لم تتوقعه زمر ولاية الفقيه في قم وطهران، ودرناتها في الداخل، قاد إلى استجابة حية، منطقية وجدية، وفاعلة، وهي بلورة صيغة دفاع ذاتي موحد، يمكن الآن تسميته على وفق ما هو مبرز، بالاتحاد الخليجي العربي، وأحسب أن إيران لم تكن وحدها التي قادت نحوه وفوجئت به. الحليف الغربي وغلط القراءة ويمكن بيسر إضافة الحلفاء الغربيين الذين قرؤوا التحدي الإيراني في الخليج، في ضوء مصالحهم الآنية فقط، تحت أضواء مصابيح مقولات نمطية، من نوع استهلاك أدوات الحكم القديمة، والبحث عن أدوات جديدة أكثر قدرة على ضمان خدمة تلك المصالح، وفي المقدمة كانت أمريكا، وسلوك سفارتها في المنامة أنموذج صارخ بهذه الحقيقة. رد الفعل الإيراني أخذ رد الفعل الإيراني داخل دول الخليج العربية – البحرين أنموذجاً - وإيران ذاتها، وخارجياً إقليمياً وعالمياً، على فكرة الاتحاد الخليجي العربي، ومنذ طرحها العاهل السعودي في قمة الرياض في ديسمبر الماضي، في قواعده الفلسفية، فكرة أن التسليم بفقدانها القدرة ولو نسبياً، على الضغط والاختراق الاستراتيجي، في دول الخليج العربي، وفي البحرين ابتداءً لن يقف عند انحسار تلك القدرات على التأثير والاختراق وحسب، وإنما سينقلب ارتداداً مصيرياً على أوضاعها في الداخل والخارج، وبعبارة أخرى، فإن ارتدادات فشل مشروعها الطائفي الإلحاقي للبحرين على الوضع الداخلي الإيراني، والوضع الإيراني دولياً، ارتدادات خانقة وتفجيرية، ربما قادت إلى تدمير بنى النظام، ووسيلته وآلته الأساس للبقاء – الآلة البوليسية، وفكرة القوة والغلبة، وهو ما وعته المصالح الأمريكية بقوة، إلا أنها أساءت قراءته حين عدته وتعاملت معه على أنه خطر عليها، وأنه يجب تخفيف المعاناة الإيرانية بالتسليم لدرناتها في الداخل البحريني بتنازلات جوهرية احتفاظاً بالورقة الإيرانية كورقة مساومة ضد دول الخليج بعامة كما هو شأنها أيام الشاه، التنازلات التي أحسن النظام والقيادة البحرينية قراءتها، وعدها مساساً خطراً بهيبة النظام والدولة والاستقلالية، لا بل والوجود البحريني، وأحسن الاستجابة لتحدياتها، عبر استدعاء قوات درع الخليج في حينها، والآن عبر طرح فكرة الاتحاد الخليجي ابتداء بالاتحاد مع السعودية. أتباع الولي الفقيه وعلى وفق هذه القواعد تصرف أتباع نظام ولاية الفقيه في البحرين ليقولوا إن أزمة البحرين لا علاقة لها بإيران وأنها ليست أزمة إقليمية، وإنما هي أزمة محلية: بين النظام ومكونات الشعب البحريني، وهو ما اعتمده المنطق الأمريكي، كما قرأناه في تصريح وزير الدفاع الأمريكي روبرت غيتس عند زيارته للبحرين في ذروة التآمر الإيراني عليها، حين برأ إيران من التدخل في الشأن البحريني، ونسب الأحداث -قسراً- إلى جهة سلوك النظام، مطالباً بالتنازل للجهات الإيرانية في الداخل، ومهدداً في حال عدم تقديم تلك التنازلات بالتدخل الإيراني، فـ(إنّ الحكومة البحرينيَّة مسؤولة عن تطورات الأحداث!! وإنه لا يوجد تدخل إيراني!! لكن حين تتطوَّر الأمور ستتدخل إيران!!) وهو ما يعيد من فوره إلى البال تهديدات قائد حرس خميني نفسها، قبل تفجر أحداث فبراير، إذ قال: إن طاولة الحوار مع واشنطن تعني الحديث عن مستقبل الساحل الآخر للخليج، أما وضع البحرين فهو محسوم!! وما يعنيه هذا القائد هنا، وفقاً لمعارفه ومعلوماته اليقينية، أن ما هيأته إيران لضم البحرين قسراً أو بفعل من الداخل، أمر حاسم ولا جدل حوله، وهو أيضاً يعيد إلى البال خطط الغزو التي أعدها خميني للبحرين. يقول الكاتب الإيراني المعارض أمير طاهري: إن سلوك إيران تجاه البحرين أكثر وضوحاً، لأنها تهدف إلى ضم أرخبيل الجزر اعتماداً على ادعاءات تاريخية!! وفي مقالتها الافتتاحية يوم الثلاثاء الماضي من الأسبوع الأسبق، أكدت صحيفة (كيهان) الإيرانية اليومية، التي ينشرها مكتب الإرشاد التابع للملا خامنئي، تعليقاً على أخبار الاتحاد الخليجي العربي: أن “البحرين جزء من إيران”، وأن “غالبية الشعب البحريني تنظر إلى البحرين بصفتها جزءاً من إيران.. ويجب أن تعود إلى الوطن الأصلي وهو إيران”. وخلال الأسابيع الأخيرة، كانت هناك مؤتمرات أكاديمية لإثبات أن البحرين جزء من إيران!! وطبقاً للفولكلور الخميني، كان قرار الشاه بقبول “بعثة التقييم” التابعة للأمم المتحدة من أجل تقرير مصير البحرين “خيانة عظمى”. ومن أولى الخطوات التي اتخذها الخميني عقب استيلائه على السلطة عام 1979م تكوين ما يسمى بجيش تحرير البحرين، الذي أوقفت البحرية الإيرانية التي كانت لا تزال خاضعة في حينها لسيطرة حكومة رئيس الوزراء مهدي بازركان، محاولة غزوه البحرين باستخدام القوارب، فهل فاتت هذه الحقائق الإدارة الأمريكية وهي تقدم نصيحتها للنظام في البحرين على لسان غيتس؟ مشاعر الانكسار إنَّ ما تقدَّم كله هو جزء من صورة أكبر وأكثر تفصيلاً وأعمق أبعاداً وألواناً لردة فعل مشاعر الانكسار العنيفة التي صعق بها المركز الإيراني على فشل تآمر ولاية الفقيه على البحرين، بعد أن كانت النتيجة في العقل الحاكم، محسومة كما قرأنا في أقوال قائد حرس خميني، لذا بدأ العقل الحاكم هذا خلال العام المنصرم، الذي أعقب دوي ذلك الفشل، يتعامل بصفة متوترة ومضطربة، خرجت بها طهران عن توازنها المفترض، كدولة لتتصرف كعصابة، حين تجسّد فشل المشروع الطائفي المركزي في البحرين ارتداداً مخيفاً لها في حركة الانتفاضة الضخمة المتنامية داخلياً، وهذه الرؤية تكشف أبعاد نظرية الرفض المطلق والمناور لمجريات الأحداث في البحرين ومآلاتها تعززها أوامر طهران وقم والنجف وبغداد حتى وإملاءاتها بعدم قبول الحوار أو التصالح الطائفي، كما أفاد تقرير خاص بهذا الشأن أعدته المعارضة الإيرانية وتسرب ما ورد فيه إلى العديد من المتابعين وأجهزة الإعلام الراصدة (بخاصة بعد بروز الخلاف الشديد، الذي أدّى إلى إقالة وزير المخابرات الإيرانيَّة، وإعادة المرشد له، وما تسرب بأن نجاد سخط على هذا الجهاز الذي شجّع على استعجال تهيئة الأجواء لمشروع إسقاط النظام في البحرين، وكان فشله انتكاسةً على الرؤية الاستراتيجية لمشروع النفوذ الإيراني المركزي في الخليج العربي) وهذا هو سر تصريحات إعلام الدرنات الإيرانية في البحرين أنها ستحارب الاتحاد الخليجي العربي، إن تم، وتصريح غيتس قُرئ في توقيته بأنه ضوء أخضر لإعادة تشكيل البحرين في إطار الصيغة المتلائمة مع مشروع إيران الجديد، وأن واشنطن أضحت تتفهم هذا المنهج التغييري ببعده الطائفي، في ضوء إيمانها بأن العنصر الطائفي إحدى قواعد اللعبة الجديدة قَبل بها الخليج العربي أم لم يَقبل، وهذا التصريح صدر في وقتٍ حرج جداً في المنامة، ولم يكن متوقعاً من الحليف الأمريكي، الذي ظن أن النظام في البحرين في دوامة عاصفة لن ينجو منها، وأن الأسلم الانحناء لها، وأحسب أن بعض أسرار اندفاع دول الخليج الراغبة في قيام الاتحاد الخليجي العربي تعود إلى هذا الموقف الخاذل المخذول، وأظن أن الحليف الأمريكي كان يقرأ بيانات حسن مشيمع في الدوار حول الاستفتاء على الجمهورية الطائفيَّة البديل، وإلحاق البحرين بولاية فقيه قم، بآذان صاغية، ونظرت إليها على أنها البيان رقم واحد لقيام جمهورية البحرين الإسلامية الإيرانية، لولا الحركة الوطنيَّة البحرينيَّة التي اخترقت المشهد في تجمع الفاتح التاريخي الأول من نوعه في العمل الوطني البحريني، وقلبت الموازين كلها وأعادت الأمور إلى سياقاتها الطبيعية، وتجمع الفاتح هذا في رأيي، هو الاستفتاء الحقيقي على الاتحاد الخليجي العربي بحرينياً، وهو الرد على من قالوا “إنهم كانوا سبب استقلال البحرين عام 1971م، وإنهم سيكونون السبب في عدم قيام اتحاد بين السعودية والبحرين”.