^ كانت السمة العامة للتحولات الاجتماعية التي سادت أوروبا بعد الثورة الصناعية وعصفت بالبنية الاجتماعية هناك، وغيرت نوعياً من معالم تركيبتها السكانية على المستوى الاجتماعي، هي الانتفاضات والتمردات العمالية المطالبة بإنصاف العمال حتى بعد تشغيلهم. بل وصل الأمر حينها بدولة مثل بريطانيا وحرصاً منها على المحافظة على الثبات في بنيتها الاجتماعية أن تبذل جهدها لتوفير فرص العمل في الداخل، تشجيعاً لهم لرفض إغراءات السفر إلى الخارج رغبة منها في الاحتفاظ باليد الماهرة تحت سيطرتها، لكنها لم تنجح في تحقيق ذلك فقد “غادر بريطانيا المئات من العمال المهرة والمصنِّعين، مصطحبين معهم المعارف الجديدة عن الصناعة”. منذ ذلك الحين وحتى يومنا هذا عرفت البنية الاجتماعية، خصوصاً مجتمعات الدول المتقدمة اقتصادياً وعلمياً، والتي انطلقت منها ثورة الاتصالات والمعلومات تحولات اجتماعية فرضتها الإفرازات الاجتماعية الناجمة عن ثورة الاتصالات والمعلومات. تقدم تلك التحولات ذلك الدور الطليعي الاجتماعي والاقتصادي الذي أصبح يمارسه اليوم الشباب في تلك المجتمعات. تكفي الإشارة إلى قائمة فوربز للشخصيات الأكثر ثراءً في العالم كي نكتشف أن نسبة عالية من مقاعدها الأولى يحتلها شباب رواد من أمثال بيل غيتس (مايكروسوفت)، وستيف جوبز (آبل)، ومارك زوكربيرغ (فيس بوك). هذا يعني أن الشباب اليوم وليس العمال كما كانوا هم من يتصدرون القوى الاجتماعية ليست المطالبة بالتغيير فحسب، إنما هي وحدها باتت قادره على أن تصنعه وتحوله من مجرد شعار مطلبي إلى حقيقة على أرض الواقع. لعل في أحداث الربيع العربي ودون الحاجة للدخول في أي شكل من أشكال تقويم نتائجه، مؤشرات قوية على دور الشباب العربي في المطالبة بالتغيير. وربما يكون مصدر ذلك تحول إلى أكثر الفئات الاجتماعية إحساساً بهذا التغير الاقتصادي / الاجتماعي الذي أضحى ظاهرة عالمية، لم يعد في الإمكان حصرها في نطاق جغرافي محدود. وبالتالي فليس من غير الطبيعي أن يكون هذا التحرك الشبابي العربي مسبوقاً بظاهرة عالمية أخرى هي ارتفاع معدلات ونسب تفشي البطالة في صفوف الشباب، بمن فيهم شباب المجتمعات المتقدمة اقتصادياً. فوفقاً لتقرير صادر عن منظمة العمل الدولية في مطلع أبريل 2012 تصل نسبة العاطلين عن العمل في صفوف الشباب في منطقة اليورو إلى 21.6%، وفي دول الاتحاد الأوروبي إلى 22.4%. وحدها سويسرا تحتفظ بنسبة متدنية تصل إلى 3.2? وهي أدنى نسبة في أوروبا. لكن هذه الأرقام ترتفع كي تصل إلى نسب مخيفة تبلغ 50.5? في إسبانيا و50.4?اليونان. وتبلغ نسباً متوسطة تصل إلى حوالى 10% في دول أوروبية مثل ألمانيا. وعلى الصعيد العالمي ووفقاً لتقرير المنظمة تصل النسبة العالمية إلى 12.7?، ويتوقع لها أن تشهد ارتفاعاً ملحوظاً في حال استمرت الأزمة الاقتصادية العالمية وفشل دول العالم في إيجاد حلول جذرية لها واقع البطالة في صفوف الشباب العربي لا يختلف كثيراً عن حاله في الدول الأوروبية، إن لم يكن أسوأ، ففي دولة مثل المغرب تصل نسبة البطالة في صفوف الشباب ممن تتراوح أعمارهم بين 15 و29 عاماً، وحسب إحصاءات البنك الدولي حوالي 30%. ففي هذا البلد العربي وكما تقول الدراسة “الذي يبلغ تعداد سكانه أكثر من 32 مليون نسمة، بينهم 11 مليوناً تتراوح أعمارهم بين 15 و35 عاماً- عام 2011”. وإذا ما انتقلنا من المغرب العربي إلى مشرقه، فسوف نجد أمامنا سوريا التي تعتبر حسب المجموعة الإحصائية الرسمية واحدة من الدول العربية “الفتية سكانياً، حيث يشكل الشباب فيها من عمر (15-24) سنة يتوزعون بالتساوي تقريباً بين المناطق الحضرية والريفية مع أفضلية ضئيلة لمصلحة الحضر”. تعاني سوريا من مشكلة بطالة متزايدة كما يعترف بذلك آخر مسح للمكتب المركزي للإحصاء هناك، إذ “ارتفع حجم قوة العمل من 5530801 عام 2010 إلى 5815523 عام 2011 بزيادة قدرها 284722 فرداً ونسبة زيادة 1.5%، وانخفض عدد المشتغلين من 5054458 مشتغلاً عام 2010 إلى 4949238 مشتغلاً عام 2011 بمقدار انخفاض 105220 مشتغلاً، حيث تركز الانخفاض في قطاعات الزراعة والصناعة التحويلية والبناء والتشييد وقطاع الفنادق والمطاعم وارتفع في قطاع التعليم والصحة والعمل الاجتماعي والإدارة العامة والدفاع”. ووفقاً للتقرير فقد ارتفع “معدل البطالة من 8.6% عام 2010، إلى 14.9% عام 2011، وبلغت نسبة بطالة الشباب في العمر 15-24 إلى 35.8% عام 2011 مقابل 20.4% في العام 2010”. وهذه نسب تزيد عن ضعفي نسب انتشار البطالة في صفوف الشباب على المستوى العالمي كما أشرنا سابقاً. وليست المغرب أو حتى سوريا حالتين استثنائيتين في المنطقة العربية، بل هناك دول مثل مصر وتونس ولبنان، التي تشكل كل واحدة مها على حدة شاهداً على ارتفاع نسب تفشي البطالة في صفوف الشباب في تلك البلدان. ففي الشرق الأوسط كما تقول نائب لمدير عام صندوق النقد الدولي نعمت شفيق “يمثل الشباب 40% أو أكثر من مجموع العاطلين عن العمل في الأردن ولبنان والمغرب وتونس، وحوالي 60% من المجموع في سوريا ومصر”. ويلقي العدد الـ87 من نشرة “جسر التنمية” الصادرة عن المعهد العربي للتخطيط بالكويت في نوفمبر 2009 أضواء كاشفة على هذه الظاهرة المتفشية في البدان العربية كل على حدة، والوطن العربي كمنطقة إقليمية. ويرجع الباحث الرئيس غير المقيم في مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت حسن عاشي ارتفاع معدلات البطالة في صفوف الشباب العربي إلى سببين أساسيين هما “أولاً، يمكن الشباب على عكس غيرهم من الباحثين عن وظائف، تحمّل انتظار الحصول على عمل يفي بتوقعاتهم في شأن رواتبهم، فهم لا يتحملون غالباً مسؤوليات عائلية كبيرة. وثانياً، يتركز القسط الأكبر من فرص التشغيل المتاحة داخل الاقتصادات العربية في القطاعات التي تعتمد على المهارات المتدنية واليد العاملة الرخيصة ما يجعلها لا تطابق متطلبات الشباب المتعلم تعليماً عالياً”. وربما يستغرب بعض القراء من أن أحد أسباب ارتفاع نسبة تفشي البطالة في صفوف الشباب هو ميل “بعض الدول إلى تنظيم سوق العمل لديها بقوانين شديدة، خاصة فيما يتعلق بالتسريح. في أسواق كهذه يجد الشباب صعوبة في إيجاد وظائف، لأن بعض أصحاب الشركات يرى في تشغيلهم مجازفة بسبب قلة الخبرة. في هذا الإطار يجد أصحاب الشركات أنفسهم في مأزق إذا ما تبين لهم عدم كفاءة الموظف الجديد الذي لا يستطيعون تسريحه بسهولة