^  «دعت إيران مواطنيها للتظاهر عقب صلاة الجمعة للاحتجاج على ما وصفته بخطة أمريكيه تهدف إلى ضم البحرين للسعوديه. وحث مجلس تنسيق الدعاية الإسلامية الإيراني، الذي ينظم المظاهرات نيابة عن الحكومة الإيرانية، الإيرانيين على الاحتجاج على الخطة الإمريكية الهادفة لضم البحرين للسعودية، والتعبير عن غضبهم على نظامي آل خليفه وآل سعود. يصعب تصديق ذلك، فكيف لإيران الجارة المسلمة أن تقف ضد وتناهض قيام أي شكل من أشكال التنسيق بين عاصمتين إسلاميتين هما المنامة والرياض؟ كيف تثبت طهران مصداقية سياساتها الخارجية حين تحرم على الجميع، وهي محقة في ذلك، الحديث عن شؤونها الداخلية، لكنها تتناقض مع نفسها حينما تعود كي تدس أنفها في شأن داخلي بين دولتين عربيتين مسلمتين، تحكمهما، بمحض إرادتيهما، وإرادة شعبيهما، علاقات تبيح لهما، متى ما شاءتا تطوير تلك العلاقات إلى مستويات أرقى؟ ما هي الأدلة التي تملكها طهران التي تثبت أن أياً من المساعي التوحيدية بين دول المنطقة، إنما هي رهن بإشارة من واشنطن ولتنفيذ إحدى مؤامراتها؟ لكن بالقدر ذاته، ما يرغمنا على تصديق ذلك، وأخذه على محمل الجد، وبأنه جزء من استراتيجية إيرانية متكاملة، هو كونه يترافق مع بيان صدر قبل أيام عن 190 نائباً في البرلمان الإيراني «تهجموا فيه بشدة على المساعي المبذولة لإعلان الاتحاد بين المملكة العربية السعودية والبحرين من جهة وسائر الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي من جهة أخرى»، وجاء ذلك سوية مع تقرير آخر نشرته صحيفة «كيهان» الإيرانية، التي يشرف عليها المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي، اعتبرت في «أن الاتحاد بين السعودية والبحرين يعد مؤامرة خطيرة، تهدف إلى توتير الوضع الراهن في الشرق». لكن التصديق أو التكذيب ليس لهما مكان في قاموس الدبلوماسية العالمية بما فيها الإيرانية، التي تسعى، من وراء هذه الدعوات، وأخرى غيرها، لتحقيق مجموعة من الأهداف الاستراتيجية، التي يمكن تلخيص أهمها في النقاط التالية: 1. استفراد طهران بالعلاقة مع واشنطن، وحجب هذا الحق عن أية دولة عربية خليجية. فعلى الرغم من تشنج العلاقات بين العاصمتين منذ سقوط حكم الشاه، لكن الأبواب بينهما لم توصد حتى بعد نجاح الثورة الإسلامية في طهران، بل وتقاربت تلك العلاقات إبان الحرب الإيرانية - العراقية التي كشفت عنها وثائق «إيران كونترا»، أو «إيران غيت»، كما إنها لم تتباعد حتى في أوج تأزمها خلال معركة الملف النووي الإيراني التي أدارتها طهران بمهارة، دون أن يعني ذلك موافقتنا على تمسك إيران بتفردها بالعلاقة مع واشنطن، وحجبها ذلك على دول المنطقة. لم تعتبر العواصم الخليجية العلاقات الإيرانية - الأمريكية «مؤامرة»، ومن ثم فهي تتوقع من طهران معاملة مماثلة، بالكف عن التدخل في شؤونها ( الدول العربية) الداخلية. 2. نقل أرض معركة الملف النووي الإيراني من طهران إلى مكان آخر، وتشتيت القوى المعادية لطهران فيها. فليست الصدفة وحدها هي التي تجعل طهران توقت هذه الدعوة للتظاهر المشوبة بالشجب، متزامنة مع دخول إيران حلبة الجولة الثانية من مفاوضاتها مع مجموعة (5+1)، التي تجري في بغداد. فمثل هذه الإزاحة لأرض المعركة من طهران إلى العواصم العربية الخليجية، توفر لطهران مساحة واسعة من الحرية، تمكنها من الانتقال من سياسة الدفاع إلى مواقع الهجوم في معركة الملف النووي، بعد أن ترغم الآخرين على الغوص في رمال معركة ثانوية مفتعلة، تقوم على مرتكزات دفاعية للرد على تلك الدعوة الإيرانية. 3. إحداث شرخ في العلاقات الرسمية الداخلية بين حكومات دول مجلس التعاون، فيما لو وقع أحدها في الفخ الإيراني، وأخذ موقفاً نشازاً مغايراً للموقف الشاجب لهذا التدخل السافر في الشؤون الداخلية الخليجية، مما يفتح ثغرة، بغض النظر عن مساحتها، في جدار العلاقات العربية الخليجية الداخلية، تبيح لطهران المتوثبة التسلل منها، لإرباك أية مسيرة خليجية عربية في اتجاه تطوير تلك العلاقات الداخلية أو حتى مجرد تعزيزها. الأمر ذاته ينطبق على الواقع الشعبي العربي، فيما لو ارتكبت فئة معينة حماقة تأييد طهران -وهو أمر مشكوك فيه بشكل مطلق- فيما دعت إليه. 4. الزج بالطائفة الشيعية العربية الخليجية في مواقع محرجة، وإرغامها -دون أن يعني ذلك استجابتها- على الوقوف أمام خيارات معقدة وصعبة، خاصة في هذه الظروف التي تمر بها منطقة الخليج العربي، من خلال ربط إعلامي مفتعل، يفتقد إلى أية مصداقية، بين الأحداث التي تمر بها بعض دول الخليج ، والمساعي التوحيدية الخليجية. تراهن طهران هنا على انزلاق خليجي ساذج، يقود إلى مواقف معادية للطائفة الشيعية التي يثبت التاريخ عروبتها أولاً، وتؤكد سلوكياتها ولائها لأوطانها الخليجية العربية. ثانياً، فعروبة الشيعة الخليجيين، حقيقة ساطعة لا تملك آلة الإعلام الإيرانية حق، ولا مقومات تشويهها. ومن هنا فبقدر ما يحتم الموقف من هذه الطائفة أن تؤكد هذا الولاء العربي، بقدر ما يتوجب على السلطات الخليجية، أن تتحلى بالنضج السياسي الذي يمكنها، من رسم ذلك الخط الفاصل الواضح بين المواقف الوطنية للشيعة العرب القاطنين في دول الخليج العربي، وتلك التي يتمسك بها الشيعة الفرس من سكان إيران. الأهم من ذلك كله هو خطأ العودة للتاريخ كي نثبت عروبة البحرين، أو انتمائها للجسم العربي الأم، ففي ذلك تحقيق للسياسة الإيرانية التي تحاول إرغام الجميع على العودة إلى خنادق الدفاع، وهو خطأ استراتيجي قاتل، يعيد المنطقة برمتها إلى مرحلة حكم الشاه، وعلى وجه التحديد في السبعينات من القرن الماضي، عندما أصيب محمد رضا بهلوي بلوثة العظمة، وحاول أن يستعيد أمجاد «ممالك الطاووس»، فقام بإرسال قواته، وبالتنسيق مع بريطانيا، للمشاركة في حرب ظفار، ولم يتردد قبلها في احتلال الجزر الثلاث الإماراتية. وكانت تلك السياسات من الأسباب التي عجلت بسقوط حكمه. نلفت هنا إلى أن السياسة الإيرانية هذه هي سلاح ذو حدين، ففي مقدور الدول الخليجية أن تقذف الكرة في الملعب الإيراني، وترغم طهران على اللجوء إلى استراتيجية الدفاع من خلال بناء تلك الدول علاقات مختلفة عن تلك القائمة اليوم مع العرب السنة من سكان الساحل الشرقي لإيران، الذين يعانون الأمرين من سياسة التفرقة العنصرية التي كان يمارسها الشاه ضدهم، ولم يطرأ عليها أي تعديل حتى بعد سقوطه. حينها ستكون أرض المعركة وقوانينها، وطرق إدارتها مختلفة. لسبب ما، أعادت دعوة طهران مواطنيها للتظاهر ضد ما أسمته بالمؤامرة إلى ذهني، رد نزار قباني على فيروز عندما غنت لفلسطين: الآنَ، الآنَ وليس غداً أجراسُ العـودة فلتـُقـرَعْ ، قائلاً: غنت فيروز مُغـرّدة وجميع الناس لها تسمع ْ الآن الآن وليس غداً أجراس العودة فلتقرع مِن أينَ العـودة فـيروزٌ والعـودة ُ تحتاجُ لمدفع ْ والمدفعُ يلزمُه كـفٌّ والكـفّ يحتاجُ لإصبع ْ والإصبعُ مُلتـذ ٌلاه في دِبر الشعب له مَرتع ْ؟! عـفواً فـيروزُ ومعـذرة أجراسُ العَـودة لن تـُقـرع ْ وأكمل ذلك تميم البرغوثي بقصيدة أخرى قال فيها: عـفواً فيروزٌ ونزارٌ فالحالُ الآنَ هو الأفظع ْ إنْ كانَ زمانكما بَشِـعٌ فزمانُ زعامتنا أبشَع ْ إلى أن يقول خازوقـُكَ يشرب من دمنا باللحم يَغوص، ولا يَشبَع ْ خازوقـُكَ صغيرٌ لا يكفي للعُـرْبِ وللعالم أجمَـع.