كتب - طارق مصباح: الصبر عادة الأنبياء والمتقين، وحلية أولياء الله المخلصين، وهو من أهم ما نحتاج إليه في عصرنا الحالي، الذي كثرت فيه المصائب وتعددت، وقلّ معها صبر الناس على ما أصابهم به الله تعالى وابتلاهم. الصبر ضياء، وبه يظهر الفرق بين ذوي العزائم والهمم وبين ذوي الجبن والضعف والخور، وهو ليس حالة جبن أو يأس أو ذل، بل حبس النفس عن الوقوع في سخط الله تعالى، وتحمل الأمور بحزم وتدبر، والصابرون يوفون أجورهم بغير حساب. الصبر الجميل ويرى الموجه الديني بوزارة الشؤون الإسلامية الشيخ بلال يوسف، أن الصبر يجب أن يكون جميلاً كما قال الله سبحانه وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم “فاصبر صبراً جميلاً”، مشيراً إلى أن الصبر الجميل في تحمل المؤمن للأذى بحيث لا يكون معه جزع أو شكوى لغير الله عز وجل، بل رضى بالقضاء والقدر، ويكون فيه اتساع صدر. واستشهد بقول النبي يعقوب عليه السلام “فصبر جميل” حيث اتسعت معه مساحة الأمل، بعيداً عن السخط، وأكد أن هذا شأن المؤمن وقت الابتلاء مصداقاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم “عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن” فالخير للمؤمن الصبر والاحتساب. ابتلاء من الله وفي رده على سؤال حول سبب ابتلاء الله عباده المسلمين، قال الشيخ بلال يوسف “يرجى للإنسان المؤمن إذا ابتلي وصبر أن يكون بهذا الابتلاء -إن شاء الله- عالي الدرجة عند الله عز وجل، وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح (إن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم) وفي حديث آخر (لا يزال البلاء بالمؤمن حتى يمشي على الأرض وما عليه خطيئة). وأضاف أن الأحاديث في هذا المعنى كثيرة جدّاً، كلها تدل على أن الابتلاء قد يكون سببه محبة الله تعالى لهذا الإنسان، فيريد أن يرفع درجاته عالية في الجنة لا يبلغها إلا بالصبر على البلاء، وأحياناً يريد أن يكفر عنه ذنوبه وسيئاته قبل أن يرحل من هذه الدنيا حتى يمشي على الأرض وما عليه خطيئة، قال تعالى “وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ* الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ* أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُون”، وقال سبحانه “إنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ”. ولفت إلى أن الآيات والأحاديث في ذلك كثيرة، ومما ورد في الأحاديث في الصبر على البلاء قول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في جسده أو في ماله أو في ولده حتى يلقى الله سبحانه وما عليه خطيئة). موقف المسلم من الابتلاء وحول موقف المسلم من الابتلاء وما الذي عليه أن يقوم به بعد صبره واحتسابه، قال الشيخ بلال يوسف إن عليه أن يتمثل قول الله عز وجل “الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون”، وعليه أن يسترجع فيقول كما علمه النبي عليه الصلاة والسلام “ما من عبد تصيبه مصيبة، فيقول إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أؤجرني في مصيبتي، واخلف لي خيراً منها، إلا أجره الله تعالى في مصيبته وأخلف له خيراً منها”، وأن يكثر من قول “قدر الله وما شاء فعل”، و«حسبي الله ونعم الوكيل” حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر منها في الكرب والمصائب. وأوضح يوسف أن الابتلاء سنة الحياة، فاليوم تكون مسروراً وغداً قد تصاب بما يجعلك في هم وغم، فليس هناك إنسان معصوم من الابتلاء حتى الأنبياء لقول الله تعالى “أحسب الناس أن يقولوا أمنا وهم لا يفتنون”، “ولتبلون في أموالكم وأنفسكم”، “لنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات”، ويبقى الأجر في “وبشر الصابرين” وهذا هو المطلوب.. الصبر، وإذا لم يصبر العبد لم يرفع البلاء. أجر الصابرين هل ورد أجر محدد للصابرين؟ الشيخ بلال يوسف أكد أن ذكر “الصبر” ورد في القرآن الكريم في أكثر من 80 موضعاً، وأن الله مع الصابرين ويصلي عليهم ويرحمهم، وللصبر فضائل كثيرة منها أن الله يضاعف أجر الصابرين على غيرهم، ويوفيهم أجرهم بغير حساب، فكل عمل يُعرف ثوابه إلا الصبر، قال تعالى “إنَمَا يُوَفَى الصَابِرُونَ أجّرَهُم بِغَيرٍ حِساب” وأن الصابرين في معية الله، فهو معهم بهدايته ونصره وفتحه، قال تعالى “إن الله مَعَ الصّابِرين”، وأخبر سبحانه عن محبته لأهله فقال “وَاللّهُ يُحِبُ الصّابِرِين” وأخبر أن الصبر خير لأهله فقال سبحانه “وَلَئِن صَبَرتُم لَهُوَ خَيرٌ لِلصَابِرين”، وجمع الله للصابرين أموراً ثلاثة لم يجمعها لغيرهم وهي الصلاة منه عليهم، ورحمته لهم، وهدايته إياهم، قال تعالى “وَبَشّرِ الصّابِرينَ، الّذِينَ إذَا أصَابَتهُم مُصِيَبَةٌ قَالُوا إنّا للهِ وَإنّا إلَيهِ راجِعُونَ، أُولئِكَ عَلَيهِم صَلَواتُ مِن رّبِهِم وَرَحمَةٌ وَأولئِكَ هُمُ المُهتَدُون”. وقال: إن هناك بعض الأحاديث وبيان لفضيلة البلاء إذا صبر “ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب” الابتلاء سبب لتكفير الذنوب ورفع الدرجات، فقد الأعزاء “إذا مات ولد العبد” فضائل يجب أن يستشعرها وليعلم أن الله تعالى يحبه. وحذر الشيخ بلال يوسف من أعظم المصائب وأعظم الابتلاءات، وهو أن يبتلي الإنسان في دينه، فإذا أُصيب الإنسان في دينه بانحراف أو شبهة أو شهوة فذلك أعظم المصائب التي تحصل للإنسان في هذه الدنيا، إنها خسارة الدنيا، وخسارة الآخرة، لأن المصيبة في الدين توجب لصاحبها الهلاك في الآخرة؛ لذا كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم “وَلاَ تَجْعَلْ مُصِيبَتَنَا فِي دِينِنَا”. الابتلاء في السراء والضراء من جانبه، بيّن مدرس العلوم الشرعية بالمعهد الديني الشيخ عبدالله الحسيني، أن الابتلاء في حياتنا ومجتمعاتنا من السنن الربانية والحكم الإلهية والقوانين الكونية، ومرتبط ارتباطاً وثيقاً بحياة الإنسان ووجود المجتمعات، قال سبحانه (لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ)، وقال عز شأنه (إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ)، ولقد ابتُلي الأنبياء والرسل والمؤمنون والناس جميعاً. وذكر الحسيني أن ابتلاء الله لعباده على نوعين الأول ابتلاء بالنعماء والسراء كالسعادة والأمن والصحة والغنى والمنح والسعة والخيرات المتنوعة، والثاني ابتلاء بالبلاء والضراء كالحزن والخوف والمرض والفقر والمحن والشدائد والمصائب المختلفة، ومنه قول الله تعالى (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ). فكلٌ من السراء والضراء والحلو والمر من الابتلاء، قال تعالى (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ)، وقال عز وجل (وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ). الحكمة من الابتلاء ولكن لماذا يحدث ذلك كله؟ يجيب الشيخ عبدالله الحسيني إن لله حِكَماً عديدة في الابتلاء، من أهمها الرجوع إلى الله بالدعاء والتضرع والتوبة، قال تعالى (فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ)، وتطهير القلوب وتزكية النفوس، قال تعالى (وَلِيَبْتَلِيَ اللّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحَّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ)، وتمييز الخبيث من الطيب قال تعالى (الم، أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ، وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ)، ورفع الدرجات وبلوغ المنزلة العظيمة، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم (إن الرجل ليكون له المنزلة عند الله، فما يبلغها بعملٍ، فلا يزال الله يبتليه بما يكره حتى يبلغه إياها). وأضاف الحسيني أن من حكمة الابتلاء تحصيل الأجر والحسنات، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم (إن عظم الجزاء مع عظم البلاء)، وتكفير الذنوب والسيئات، قال النبي صلى الله عليه وسلم (ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله وما عليه خطيئة)، ومعرفة قدر النعم، فلا يعرف قدر نعمة إلا من ذاق مرارة ضدها، والإحساس بالمبتلين والرحمة بهم ومعونتهم، ومعاقبة المذنبين والمقصرين، قال تعالى (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ). كيفية رفع البلاء ما واجب المجتمعات عندما يحل بساحتهم الابتلاء؟ وما هو دور كل من الفرد الجماعة وولي الأمر في المساهمة في رفعه ودفعه بإذن الله سبحانه؟ يجيب الحسيني أن ذلك كله يتمثل في عدة أمور منها الاستقامة والتقوى فالاستقامة وفق شرع الله تُبعد كل أسباب الحزن والخوف، قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ)، وتقوى الله مفتاح عظيم للخروج من الأزمات ومجلبة للرزق قال الله عز وجل (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ)، وشكر النعم فبالشكر تدوم النعم وتزداد، قال تعالى (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ). ومن موجبات رفع الابتلاء حسب الحسيني اليقين والرضا حيث تكمن السعادة في استقبال الابتلاءات بنفس آمنة راضية مطمئنة موقنة بقضاء الله وقدره، وأن ما عند الله خير وأبقى، وأن الدنيا فانية زائلة، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم (فمن رضي فله الرضا، ومن سخط له السخط)، والصبر والثبات من حسن الظن بالله الصبر والثبات في الابتلاء ، فبالصبر تكن في معية الله، قال تعالى (إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)، وتنال من الأجور ما لا يعلمها إلا الله قال تعالى (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ)، وتُبشر بكل خير قال تعالى (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)، وتتصف بصفات المؤمن الحق، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم (عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له). ودعا إلى الإكثار من الأعمال الصالحة باعتبارها من الأسباب المشروعة النافعة لدفع البلاء أو تخفيفه كالصلاة والدعاء والتضرع والتوكل على الله والصدقة وغيرها من الأعمال الصالحة، والاستغفار والتوبة إذ لا بد من محاسبة النفس دوماً، والإقلاع الفوري عن كل ما يُغضب الله ويُنزل البلاء، والإسراع في الرجوع إلى الله بالتوبة والاستغفار، ورد المظالم إلى أهلها، فالله يحب العبد الأواب التواب، قال تعالى (إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)، والاستغفار سبب عظيم لجلب الرزق ودفع البلاء، قال تعالى (وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ). ونجد نبينا محمداً عليه الصلاة والسلام ناله العديد من أنواع البلاء، فابتُلي في نفسه وأهله وماله وولده ودينه، فضرب أروع الأمثلة في الصبر والاحتساب والثبات، وإحسان الظن بالله، والرضا بحكمه، وامتثال الشرع، وعدم تجاوز الحدود، فصار قدوة حقيقية ماثلة أمام كل مُبتلى.