^ لم يكن حديث وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون مفاجئاً في الأوساط السياسية والإعلامية المحلية بشأن ملف البحرين السياسي أثناء لقائها مع سمو ولي العهد عشية زيارة سموه لواشنطن في يوم الأربعاء الماضي، حين قالت: “إن البحرين حليف للولايات المتحدة الأمريكية”، فمثل تلك المقولة لم تعد لها معنى في الشارع البحريني، إذ لم يلمس المواطن أي ترجمة لمثل هذا الكلام على أرض الواقع، بل الذي رآه هو العكس تماماً حيث لاتزال الإدارة الأمريكية عند مواقفها السابقة إزاء ملف أزمة فبراير 2011 وما تلاها من تداعيات رغم الخطوات الكبيرة التي قامت بها الحكومة في سبيل معالجة هذا الملف وإنهائه بما يتوافق عليه شعب البحرين، وبما ورد في توصيات لجنة تقصي الحقائق المعروفة (بلجنة بسيوني)، وقد أوضح سمو ولي العهد لكلينتون أن البحرين ماضية في الإصلاح، لكن هناك جماعات سياسية تحاول عرقلته عبر تصعيد موجات العنف في الشارع البحريني، وهذا بطبيعة الحال يقف حجر عثرة أمام الإسراع في وتيرة الإصلاح، وقال سموه: “إن الاستمرار في النمط نفسه -يقصد الخطوات الإصلاحيةـ مع حالات العنف والتبرير لها من قبل البعض أو القبول بها عقبة تعرقل تقدم الوطن وتخدم كل من يقف ضد مصالحه”. لكن يبدو أن الولايات المتحدة غير آبهة بتلك الخطوات، فهي لا تنظر إليها بعين الرضا ومن وجهة نظرها لاتزال قاصرة ولا تحقق المطلوب وهي ليست ذات معنى ولا تحقق تطلعات جميع البحرينيين. إن المدقق بعض تصريحات واشنطن سيدرك أن هناك تطابقاً في وجهات النظر بين الولايات المتحدة والجماعات السياسية التي تسمي نفسها بالمعارضة حيال الخطوات الإصلاحية، وهذا ليس جديداً على الولايات المتحدة، وموقفها ليس له إلا تفسير واحد؛ أن البيت الأبيض ومن خلفه الكونجرس بمجلسيه الشيوخ والنواب والمنظمات غير الحكومية لا يصغون باهتمام للموقف الرسمي ولا لبقية الأطياف السياسية الأخرى في المجتمع البحريني، فهم لا يشنفون آذانهم إلا لسماع صوت واحد وهو الذي تنطق به الجماعات السياسية التي رفعت شعار التغيير، وهي في حقيقة الأمر كانت تخفي أجندة كانت تدور في مخيلتها كشفت عنها في فبراير ومارس من عام 2011 ويتجاهلون بقصد المكونات الأخرى في المجتمع البحريني. أعتقد أن هذا جد طبيعي؛ لأن ذلك يتماشى مع السياسة الأمريكية الجديدة ومصالحها في المنطقة التي بدأت بنسجها مع بداية الألفية الثالثة وبالتحديد بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر2011 عبر مشروعها المعروف بمبادرة الشرق الأوسط الكبير. وإذا رجعنا بالذاكرة إلى الوراء سنشير بطبيعة الحال إلى المشروع الذي طرحه وزير الخارجية الأمريكي الأسبق كولن باول في عام 2003 بشأن التغيير في العالم العربي، والذي يهدف إلى رسم خريطة جديدة للشرق الأوسط، وكذلك دعوته إلى ضرورة تغيير المناهج الدراسية في الدول العربية والتي تأتي في سياق هذا المشروع. من هنا إذا أردنا أن نفهم الموقف الأمريكي تجاه البحرين علينا أن نضع هذا الموقف في إطار هذه المشاريع الأمريكية التي بدأت في عهد الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن. وعلينا أن نعي بأن السياسة الخارجية الأمريكية الحالية ما هي إلا امتداد لتلك المشاريع بدليل أن سيد البيت الأبيض الحالي أوباما ديمقراطي، وأن (بوش الابن) الذي أطلق مشروع التغيير جمهوري، لكن مع ذلك لم يؤثر إطلاقاً على السياسة الخارجية، وهذا يبرهن على ثوابت السياسة الخارجية الأمريكية التي لا تقوم على من يسكن في البيت الأبيض أهو ديمقراطي أم جمهوري. كذلك نفهم أن السياسة الخارجية لا يرسمها أشخاص وإنما مؤسسات. لذا يجب أن يكون تحركنا من الآن وصاعداً تجاه السياسة الأمريكية إزاء البحرين من هذا المنطلق، وليس من منطلق أن البحرين حليف كما تقول هيلاري كلينتون؛ لأن الأحداث أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك أن الولايات المتحدة لا تقرن أقوالها بالأفعال وهي على استعداد للتضحية بحلفائها متى شعرت أن مصالحها تتماهى مع التغيير في المنطقة.