بقلم- ماثيو مارتن^: بعد أداء متدنٍ عامي 2009 و 2010، بدأ القطاع المصرفي السعودي يستعيد نشاطه، وفي الإجمال زادت أرباح البنوك الـ12 في السعودية العام الماضي بنسب 15% مقابل 2010، مما تشكل أول زيادة مهمة في عموم القطاع منذ العام 2006. ومع تخفيف شروط الاحتياطي الإلزامي لدى البنوك، علاوة على ارتفاع الإنفاق الحكومي وزيادة الطلب على القروض سواء من قبل الشركات أو الأفراد، فمن المتوقع أن يزداد هذا القطاع تحسناً خلال العام الجاري. ومع هذا من المهم الإشارة إلى أن القطاع المصرفي لم يرتق بعد إلى مستوى الربحية الذي كان بلغها قبل الأزمة المالية بل إن فقاعة سوق الأسهم في البلاد سبق وأن انفجرت العام 2006. يضاف إلى هذا حقيقة أن القلق من كيفية إدارة السيولة الفائضة مازالت في ازدياد. شطب الديون لعب عاملان مهمان دوراً في إحداث القفزة الكبرى في الربحية، الأول هو تخفيف شروط الاحتياطي الإلزامي بعد أن وصلت إلى ذروتها العام 2009. ففي ذلك العام تم إلزام البنوك بتخصيص حوالي 2.9 مليار دولار كاحتياطي ضد الديون المعدومة، خاصة بسبب فشل بعض المجموعات التجارية في التسديد، كمجموعة أحمد حمد القصيبي وإخوانه ومجموعة سعد. ومن المعتقد أن المجموعتين تتحملان قروضاً تصل قيمتها إلى 5 مليارات دولار . وبعد أن تم شطب الديون وظهرت مؤشرات على عودة النشاط إلى الاقتصاد السعودي، تتوق البنوك بشدة إلى النمو النشط من جديد. في هذا الشأن يعلق أحد المسؤولين الحكوميين بالقول: “لا شك أن البنوك ستجد فرصاً كثيرة لاستثمار أموالها، فالإنفاق الحكومي مرتفع جداً و مع تنشيط مشروعات البنية التحتية ستظهر الحاجة إلى الاقتراض”. وفي أعقاب فترة بطيئة نسبياً من النمو، يلاحظ أن البنوك شرعت من جديد في الموافقة على صرف مزيد من القروض. وكان معدل نمو الإقراض العام 2011 عند 11% فقط، ولكن من المتوقع أن يرتفع العام الجاري إلى أكثر من ذلك. إلا أن الكثير سيعتمد على مدى تقدم سير الإجراءات المتعلقة بالمشروعات ذات الصلة بالحكومة ومدى توفير الأموال لها العام الجاري، أو تأخر ذلك إلى العام المقبل. وعلى سبيل المثال فان شركة “أرامكو” السعودية كانت تأمل في الحصول على التمويل اللازم لمشروع صدارة للبتروكيماويات، بقيمة 20 مليار دولار، العام الجاري. و لكن يبدو أن هذا بعيد الاحتمال. ويُقدِّر بنك “اتش اس بي سي”، في المملكة المتحدة، أن هناك حاجة إلى حوالي 60 مليار دولار من تسهيلات القروض الواجب توقيعها العام 2012. ولا شك أن بعضها سيتم تأجيله إلى العام المقبل، إلا أن غالبيتها ستتم خلال الربع الثالث من هذا العام. لقد تعززت الودائع المتوافرة لدى البنوك جراء ارتفاع عوائد النفط والعلاوات الكبيرة التي تدفع لموظفي الدولة وشركات القطاع الخاص. وفي نهاية مارس الماضي كانت نسبة القروض إلى إجمالي الودائع قد بلغت 78.2% مما يعني توفير مساحة كبيرة من الحرية للبنوك كي تمنح المزيد من القروض. انخفاض تكاليف الاقتراض وفي ظل وفرة السيولة في النظام المصرفي ورغبة المقرضين في زيادة الأرباح، ليس هناك إلا القليل من الشك في إتمام الصفقات المذكورة - لكن السؤال هو بأي ثمن. فخلال الـ18 شهراً الماضية تراجع هامش ربح القروض بسبب تسابق البنوك على اقتناص الصفقات. في هذا الخصوص يوضح أحد المصرفيين السعوديين بالقول: “بالنسبة لبعض الزبائن تبدو الصورة كما لو أن البنوك تغريهم على الاقتراض”. ويشير مراقبون إلى أن العديد من المحاولات التي بذلت العام الماضي لزيادة الحصة السوقية من قبل البنوك لم تثمر عن الكثير من النجاح. إذ إن الحصة السوقية للقروض في كافة البنوك تظهر تغيراً طفيفاً خلال السنوات القليلة الماضية. ويقول العضو المنتدب لبنك “ساب”، ديفيد ديو: “عند النظر إلى حجم الاقتصاد، ستلاحظ بكل وضوح أن عدد البنوك في السعودية أكثر من اللازم، ولكن في الوقت ذاته نرى أن المنافسة شديدة جداً، ومن ثم تمارس البنوك هنا دوراً فاعلاً في الدفاع عن حصصها السوقية”. وعلى الرغم من أن البنوك صرحت قبل عام بأنها تأمل في زيادة حصصها السوقية، لم يتحقق إلا القليل من تلك الآمال. فالسوق لاتزال تحت هيمنة البنك الأهلي التجاري ومصرف الراجحي فيما يخص الموجودات والقروض والأرباح. تقف وراء قوة الهيمنة هذه عوامل عديدة من أهمها الودائع الهائلة التي تتمثل أغلبها في حسابات بالصيرفة الإسلامية التي لا تلزم البنك بدفع فوائد للزبائن. هوامش الربح لا تقف زيادة الإقراض وحدها وراء تحسين ربحية البنوك. إذ إن إجمالي الدخل أخذ في الازدياد كذلك. وتتمتع البنوك الآن بمدخول أكبر مما كانت تحصل عليه في المرحلة التي تميزت بطفرة سوق الأسهم خلال السنوات 2004 إلى 2006، رغم أن الأرباح التي تحققها أقل من تلك الفترة بكثير. ويعزى هذا إلى تغير أشكال الدخل الذي تحصل عليه. فعندما كانت سوق الأسهم السعودية “تداول” في حالة نشطة كانت البنوك تحقق أرباحاً سهلة من وراء عمليات الوساطة. أما اليوم فإنها تكسب المزيد من وراء أنشطة الإقراض رغم تقلص هوامش الربح التي تجنيها من ورائها. ^ المصدر: ميد