كتب - طارق مصباح: أكدت مجموعة من الأئمة ورجال الدين أهمية تكوين شخصية إمام المسجد علمياً، وثقافياً، وتعاملاً، بل وإدارة، لأنه يقوم بإدارة المسجد ومناشطه المقامة داخله، وحتى متابعة بعض الشؤون ذات العلاقة بجيران المسجد وجماعته من المصلين، فلا بد أن يكون إمام المسجد قادراً على أداء ما يجب عليه القيام به بكل جدارة واقتدار وبما يحفظ مكانته الدينية محققاً رسالة المسجد المنتظرة منه. وقال الأئمة ورجال الدين إن تطوير شخصية إمام المسجد علمياً وثقافياً تعد ضرورة، حتى يصبح إضاءة روحية وعلمية وثقافية للناس في إطار محيط مسجده وحيه، وأن يكون مصدراً من مصادر الوعي الذي يتحقق به الأمن والاستقرار المجتمعي من جانب، وسبباً من أسباب تصويب أخطاء الناس الشائعة في أدائهم لفريضة الصلاة والعبادة من جانب أخر. وأشاروا إلى أن هناك بعض الأئمة لا يتجاوز دوره أداء الصلاة في المسجد دون الاهتمام بالقيام بأي دورٍ آخر في توجيه الناس وإرشادهم في بعض ما يقعون فيه من أخطاء يراها الإمام رأي العين، ولهذا يكون مسجده مفتقراً إلى خدمات كثيرة، كما يصير المصلون في مسجده مفتقرين إلى النصيحة والتوجيه، وتصحيح الأخطاء. تعلموا قبل أن تسودوا سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى عن الدور الحقيقي والمسؤولية المنوطة بإمام المسجد، وكان مما ذكره أن الإمام عليه مسؤولية عظيمة؛ لأنه لا يصلي لنفسه، وإنما يصلي لنفسه ولغيره، فيجب عليه أولاً أن يتعلم أحكام الصلاة وأحكام الإمامة، وما يجب عليه في مراعاة المأمومين، فالإمام مسؤول، لأنه راعٍ ومسؤول عن رعيته. وفي لقاء مع الأمين المساعد للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية الشيخ ياسر الجلاهمة أوضح أن إمامة المسجد تعتبر إمامة صغرى وهي نوع من الولاية ينبغي لحاملها أن يتصف فيها بصفات أبرزها الكفاءة في العلم. وبين الجلاهمة أنواع العلم: وهي العلم في ذات الصلاة والعلم بما يتعدى أمور الصلاة من أمور الدين الواسعة، وبشأن العلم بالصلاة فصل بقوله : “ إنه العلم بأحكام الصلاة وشروطها وأركانها وسننها القولية والفعلية وأركانها وأحكام الإمام والمأموم فيها”. وبشأن العلم بأمور الدين الواسعة قال الأمين المساعد: “إن دور إمام المسجد كبير ولا يقتصر فقط على أداء الصلاة ثم الانصراف لخارج المسجد! بل عليه التوجيه والتوعية المؤثرة في المسلمين الأمر الذي يتطلب علم من نوع آخر وليس تكوين ما يسمى (ثقافة إسلامية) فقط”، مشيراً إلى أن المساجد تعاني من “الأئمة المثقفين”! وتساءل الجلاهمة: “كيف يرشد الناس من ليس لديه حصيلة علمية كافية”؟ ودعا لأخذ العلم الشرعي بالطريقة والمنهج الذي بينه كبار العلماء وهو العلم المرتبط بالإيمان والعمل الصالح حتى لا يحدث تشويش على معلومات العامة فلا يرتقي بهم معرفياً لأن فاقد الشيء لا يعطيه. وأضاف الشيخ الجلاهمة أن الناظر في سيرة المتقدمين سيجد أن إمام المسجد يقوم بتقديم دروس العقيدة والفقه والحديث على العامة في المسجد ليتعلموا ما ينفعهم في دينهم من الأمور الواجبة، وأشار إلى أن هذا الأمر أصبح نادراً في أيامنا هذه مما أفقد إمام المسجد دوره الصحيح في وظيفته. ووجه نصيحة إلى أئمة المساجد وهي قول أمير المؤمنين الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “تعلموا قبل أن تسودوا”، وأن يلتحقوا بالدروس والمحاضرات والدورات التي تعلمهم ما لا يسعهم جهله من أمور الفقه والحديث والعقيدة ليوصلوا هذا العلم إلى عامة المصلين، مؤكداً أنه لا ينبغي الخجل من التعلم والاستزادة العلمية في الجانب الشرعي. إمام المسجد صاحب القدر الرفيع ومن إيجابية هذا الدين أن الخيرية فيه لمن تواصى مع إخوانه بالحق، ومن هذا المنطلق كان لنا حديث مع أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة البحرين الدكتور كمال طه والذي تحدث عن أهمية جانب الوعظ والإرشاد في دور إمام المسجد، وذكر أن على الإمام أن يرشد المصلين فيما يقربهم من ربهم سبحانه وتعالى بالتدرج واللين وبحسب حالة كل منهم، وأن يتولاهم بالموعظة ولا يطيل عليهم كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم مع صحابته رضوان الله تعالى عليهم أجمعين. وشدد طه على أن لإمام المسجد القدر الرفيع لأنه يقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يتفقد أحوال صحابته ويمازحهم ويسألهم عن أحوالهم ويسليهم ويزورهم. وأضاف أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوعظ أصحابه فيما يرقق قلوبهم ويحيي نفوسهم، وأن هذا الأمر ينبغي أن يتمثله إمام المسجد في أحواله في تعامله مع الناس بمودة ومحبة. وأشار أستاذ الشريعة إلى أن إمامة المسلمين في المساجد لم تكن إلا لصاحب الشأن الرفيع لما لها من مكانة عظيمة لمن يجب أن يُعتنى باختيارهم ليكونوا وسطاء بين الله سبحانه وتعالى وعباده، مشدداً أنهم هم قادة الناس معنوياً لرب الناس. ووجه طه كلمة إلى كل من لم يجد في نفسه الكفاءة في حمل هذه الأمانة والتحلي بهذه الصفات في التنحي عن هذه الوظيفة أو أن يرتقي بنفسه وبهمته حتى يكون على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وما أمر به. وصل المسجد بالحي اجتماعياً إذن، فإمام المسجد لا تقتصر وظيفته فقط على إمامة الناس في الصلاة وعلى تعليمهم وتوجيههم وتوعيتهم وتعليمهم الحلال والحرام والعقيدة والفقه، وإن كانت هذه أساس عمله، لكن مهام الإمام واسعة، فدوره يتمثل أيضاً في إحياء الأنشطة التي ينبغي ألا تهمل في المسجد، والمتمثلة في الأنشطة الدعوية والاجتماعية وغيرها. عن هذا المحور حدثنا إمام وخطيب جامع يوسف كانوا بالدوار الأول بمدينة حمد الشيخ جلال الشرقي، وقال: “إن لإمام المسجد الدور الكبير في دفع المصلين نحو الأمور الصحيحة وإبعادهم عن المخاطر، مشيراً إلى أهمية اقتران الجانب النظري العلمي الدعوي مع الجانب التطبيقي العملي الذي يكفل أعلى درجات التأثير”. وحول أهمية تكوين علاقات طيبة مع المصلين وأثرها قال الشرقي: “إن على إمام المسجد تكوين علاقات مع جميع المصلين وأن يشاركهم في مختلف مناسباتهم السعيدة والحزينة وأن يكون علاقات نفسية ناجحة معهم، وحتى مع من قد يخالفه في بعض الأمور”، وأضاف: “أيضاً يمكنه تنظيم رحلات وسفرات إلى داخل وخارج المملكة سواءً للعمرة أو للتنزه أو في الأعياد وتنظيم البرامج الخاصة في المواسم الدينية مثل شهر رمضان”. ورداً على سؤال حول آلية ربط المسجد بالحي وتعدي دوره الإيجابي خارج أسوار المسجد، قال الشيخ إن تنوع البرامج التي ينظمها إمام المسجد مع فريق العمل من جماعة المسجد والشباب هو الذي يجعل دور المسجد يتعدى إلى خارجه، وضرب بذلك مثلاً لأحد برامج المسجد الذي يؤمه وهو برنامج “حمامة المسجد” حيث تزور جماعة المسجد المصلين المواظبين على الجماعة وتسأل عن أحوالهم وتقدم لهم الهدايا. كما تحدث الشرقي عن أهمية تنوع البرامج وجاذبيتها، مثل إقامة برنامج رياضي لشباب المنطقة تصحبه مجموعة أخرى من الفقرات بحيث يرتبط الشباب بالمسجد وبالصلاة والمواعظ والإرشاد وفق برنامج متكامل. وبشأن إمكانية توسع دور إمام المسجد وتأثيره، قال الشرقي إن على الإمام أن يكون له دور في ربط المصلين بالأحداث التي تمر بالوطن وبسائر قضايا المسلمين من خلال جمع التبرعات وتنظيم واستضافة الفعاليات التوعوية والتثقيفية ونصرة قضايا المسلمين أينما كانوا. بانتظار الدور المنشود..! ويتضح مما سبق أن لإمام المسجد دورٌ مهم في حيه، وله تأثيره الواضح على المصلين معه، فهو ذو تأثير في العلاقات الحميمة بين جيران المسجد، وربط القلوب مع بعضها البعض .. وعليه القيام بواجب الوعظ والإرشاد بعد أن يتعلم ويتثقف هو أولاً لكي لا يقع في المقولة: “فاقد الشيء لا يعطيه”! فالإمامة في الصلاة من أولى الوظائف الدينية التي عرفتها الدولة الإسلامية وأجلها قدراً، وأكثرها نفعاً، فقد مارسها النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه، وما على أئمة المساجد اليوم إلا الاقتداء بالمنهج النبوي في إحياء الدور الكبير لهذه الوظيفة التي تعتبر منارة خير تتعدى بركاتها جدران المسجد!
{{ article.article_title }}
{{ article.formatted_date }}