الدين المعاملة كما أُخبرنا الرسول الكريم وسيد الأخلاق صلى الله عليه وسلم عن المرأة الصوّامة القوامة، التي كانت تؤذي جيرانها لكنها ذهبت إلى النار. استنتاجاً من هذا الحديث الكريم عن الصادق الأمين، فإنَّ الصوم والصلاة بدون المعاملة الحسنة لا يحققان المقاصد الكلية للعبادات، التي ينبغي أن تُترجم كسلوك، لهذا تأثرت واستأت كثيراً من موقفٍ عندما خرجت في وقت صلاة الجمعة متأخراً، وعلى عجلة من أمري، راكباً سيارة أجرة، متجهاً إلى أحد المساجد المشهورة، لإعجابي الشديد بأسلوب وطرح ذلك الخطيب وقدرته على إيصال المعلومة بأسهل الطرق، وبطريقة القصص الشيقة التي تجذبك إلى الخطبة، غير أنَّ المواضع التي يطرحها تهتم بسلوكيات وأخلاق المجتمع محاولاً علاجها بطرح مثالي بعيداً عن التكلف. وأنا في طريقي للمسجد سلكتُ الطريق المعتاد الذي أسلكه كل صلاة جمعة للوصول إلى ذلك المسجد، وقبيل الشارع المؤدي للمسجد فوجئت بأنَّ الطريق مسدود، ولا مجال للتقدم للأمام وبلوغ المسجد من جميع الاتجاهات، فقررت أنْ أعود إلى الخلف لأسلك الطريق المقابل، لأجد منفذاً يوصلني إلى المسجد.! أتدرون لماذا كان الطريق مسدود ومن سده ؟ الطريق لم يكن مسدوداً لأعمال صيانة أو إصلاحات في الطرق، أو الطريق مسدوداً لحادث مروري ـ لا قدر الله. لقد كان الطريق مسدوداً لأنَّ كل مصلٍ يأتي ويوقف سيارته في المكان الذي يظن ويراه مناسباً له فقط، دون أدنى تفكير إنْ كان مناسباً للآخرين أم لا، أو أنَّ سيارته ستغلق الشارع أم لا، كل هذا لا يهم والأهم عنده أنْ يقف بسيارته في أيِّ مكان حتى يجد له مكاناً للجلوس وسماع الخطبة! حتى وإنْ كان هذا هو ما يحدث كل أسبوع، أو عند موعد كل صلاة، فحدوثه وتكرار حدوثه لا يعني أنَّ هذا هو الصواب، وأن المصلين يحق لهم إغلاق الطريق على الآخرين لأنهم في المسجد يعبدون الله. إنَّ البعض يقف في أول الطريق لكي يتسنى له الخروج مبكراً ولا يهم إنْ أغلق الشارع أم لا، لكن المشكلة الأعظم لو كان سائق السيارة يعرف أنَّ الطريق سيغلق بإيقاف سيارته هنا وسيكون ضرراً لعامة الناس، ولا يعيره أي اهتمام فتلك مصيبة أخلاقية. أفكر في أيِّ حالة طارئة ـ كالحريق لا قدر الله، أو حالة ولادة مستعجلة، أو غير ذلك ـ كيف يمكنها أنْ تخترق تجمع السيارات والطريق مسدود؟ أليس من المفروض أنْ يكون المصلون قدوة حسنة لغيرهم، وأنْ لا يكونوا سبباً في تنفير غير المصلين من الصلاة ومن المساجد؟ لابد أنْ يفكر كل مصل في كل الاحتمالات المترتبة على تصرفه غير الأخلاقي، وحجم الضرر والأذى الذي قد يتعرض له آخرون لا يشاركونه الصلاة في المسجد إما لظرف طارئ أو أنه غير مسلم، ثم لا أظن أنَّ ديننا وأخلاقنا وقيمنا وعادتنا تعطي أولوية لأحد على حساب أحد، كما أنَّ أداء العبادات لا يجب أنْ يكون منعزلاً عن الحياة نفسها. الجانب الأهم هنا كيف حال جيران المسجد وهم بكل تأكيد سيتضررون من سد الشارع، أليس هذا السلوك الخاطئ من قِبَل بعض المصلين مضراً بصورتنا الأخلاقية كمسلمين؟ ألا يُعدّ هذا تطاولاً على الحق العام، وعدم احترام لحقوق الآخر، سواء كان مسلماً أو غير مسلم، لأننا لا نمتلك الطريق، وليس من حق أيٍّ منا إغلاقه لأيِّ سبب كان، فكيف إذا كانت الصلاة هي السبب، إن هذا يسيء إلينا كمسلمين أكثر مما يقرب الآخرين منا. كما قال صلى الله عليه وسلم: (إياكم والجلوس على الطرقات فقالوا: ما لنا بدٌّ إنما هي مجالسنا نتحدث فيها قال (فإذا أبيتم إلا المجالس فأعطوا الطريق حقه قالوا: وما حق الطريق؟ قال: غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، وأمر بالمعروف، ونهي عن المنكر). إنَّ الدين لا ينفصل عن سلوكنا، ولا ينفصل عن بقية تفاصيل حياتنا، ولا يعني اهتمامنا بديننا وعباداتنا وصلاتنا أنْ نهمل جوانب الحياة التي تمثل الجزء الآخر من سبب وجودنا على هذه الأرض، إذ لا يمكن حصر الدين بالعبادة فقط، لكن الدين المعاملة، وهي معاملة العباد بكل خلق يمس حياتهم، فإذا أسقطنا هذه القاعدة الأساسية في جوهر الدين الإسلامي فإننا نسقط معها جزءاً كبيراً من بقية البناء الذي يقوم عليه ديننا. ومضة : قال تعالى : (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي). وقال حبيبنا المصطفى عليه الصلاة والسلام: (إن المرء ليدرك بحسن خلقه ما لا يدركه قائم الليل وصائم النهار). وقوله صلى الله عليه وسلم: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق). وقوله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ من أحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً). وقال عليه الصلاة والسلام: (أحبُّ عباد الله إلى الله أحسنهم خلقاً). صالح الريمي