دائماً ما ينظر إلى حرية التعبير على أنها تتم في وسائل الإعلام المختلفة سواءً أكانت تقليدية أم غير تقليدية، وبالتالي فإن حرية التعبير لا تعني قدرة الفرد على إبداء آرائه ومواقفه تجاه مختلف القضايا عبر وسائل أخرى. وهذه وجهة نظر خاطئة، لأن حرية التعبير تشمل إبداء الآراء والمواقف حول مختلف القضايا عبر جميع الوسائل وبشكل منضبط لا يسيء للآخرين، ولا يؤدي إلى خلق الفوضى داخل المجتمع. والبعض يرى أن حرية التعبير تتيح للجميع هامشاً واسعاً من الحرية دون التقيد بضوابط أو قيود تجاه التعبير عن الرأي، وهذا ليس صحيحاً، فالحرية وُجدت لتنضبط وتنظم العلاقات داخل المجتمع، سواءً بين الأفراد والأفراد، أو بين المؤسسات والأفراد، أو حتى بين المؤسسات والمؤسسات نفسها. وإذا كانت حرية التعبير أساساً لضبط وتنظيم حرية الأفراد فإنها تقتضي أيضاً تنظيم كافة المجالات المرتبطة بها وتحديداً مظاهر هذه الحرية، وتشمل: وسائل الإعلام المتعددة، القوانين والأنظمة، كافة مظاهر حرية التعبير الأخرى مع تطور الوسائل التكنولوجية المتعددة. في ضوء ذلك جاء قانون العقوبات البحريني الصادر عام 1976م لينظم حرية التعبير وفقاً للحقوق المُقرّة في الدستور. واللافت في تلك الفترة أن وسائل التعبير عن الرأي كانت محدودة في سبعينات القرن العشرين، فعلى سبيل المثال لم تكن وسائل الإعلام مثل الفضائيات موجودة، باستثناء القنوات التلفزيونية الأرضية، إلى جانب عدم وجود شبكة المعلومات الدولية “الإنترنت”. لذلك كانت فرصة نشر الأخبار الكاذبة والبيانات غير الحقيقية محدودة، لكن مع تطور وسائل الإعلام المتعددة اليوم بفضل التطور التكنولوجي الكبير خلال العقود القليلة الماضية، ظهرت وسائل إعلامية متطورة صار من الصعب التحكم فيها وضبط حرية التعبير من خلالها، لأن تطورها التكنولوجي يفوق القدرة على التحكم والضبط. هذه الظروف خلقت واقعاً جديداً يتطلب إعادة النظر في القوانين الوطنية لضمان عدم إساءة استخدام وسائل التعبير المختلفة في التعبير عن الرأي بنشر الأخبار والبيانات الكاذبة. ويلاحظ أن قانون العقوبات نظم عقوبة إساءة استخدام حرية التعبير بنشر أخبار أو بيانات كاذبة، حيث ينص في المادة 168 على المعاقبة بـ “الحبس مدة لا تزيد عن سنتين وبالغرامة التي لا تجاوز مائتي دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين من أذاع عمداً أخباراً أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو مغرضة أو بث دعايات مثيرة إذا كان من شأن ذلك اضطراب الأمن العام أو إلقاء الرعب بين الناس أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة”. كما تنص المادة 169 على أنه “يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين وبالغرامة التي لا تجاوز مائتي دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين من نشر بإحدى طرق العلانية أخباراً كاذبة أو أوراقاًَ مصطنعة أو مزورة أو منسوبة كذباً إلى الغير إذا كان من شأنها اضطراب السلم العام أو الأضرار بالصالح العام أو بالثقة المالية للدولة. فإذا ترتب على هذا النشر اضطراب السلم العام أو الأضرار بالصالح العام أو بالثقة المالية للدولة كانت العقوبة الحبس”. مثل هذه النصوص القانونية قد تكون مناسبة لأجواء وظروف السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين، لكن تطور المجتمع البحريني يتطلب تحديثاً تشريعياً وتطويراً لهذه النصوص بما يتناسب مع الوضع الحالي. لذلك طرح المشاركون في حوار التوافق الوطني الذي أقيم خلال صيف2011 مجموعة من المرئيات بهدف إعادة تنظيم هذه العقوبة وتطويرها بما يتناسب مع منع استغلال وسائل الإعلام المختلفة لبث أخبار كاذبة أو بيانات غير حقيقية لضمان الحفاظ على السلم العام والأمن الأهلي. وبعد انتهاء حوار التوافق الوطني أعلن مجلس الوزراء عن موافقته على مشروع قانون بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات الصادر بالمرسوم بقانون رقم (15) لسنة 1976م حيث يهدف التعديل إلى تنظيم ممارسة الحق في حرية التعبير وتجريم إذاعة الأخبار الكاذبة بشكل متعمد التي من الممكن أن تحدث ضرراً بالأمن الوطني أو بالنظام العام أو بالصحة العامة أو تحرض على العنف أو النشر بإحدى الطرق العلانية محررات أو أوراق أو صور مصطنعة أو مزورة أو منسوبة كذباً إلى الغير إذا كان من شأنها اضطراب السلم الأهلي أو الإضرار بالصالح العام أو بالثقة المالية للدولة. وأكد وزير العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف أن الحكومة حرصت أن تكون هذه التعديلات الجديدة متماشية مع متطلبات العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي صدقت عليه مملكة البحرين في 12أغسطس 2006 خاصةً ما يختص بالحق في حرية التعبير في الإطار الضروري اللازم لمجتمع ديمقراطي. مازال مشروع تعديل قانون العقوبات تحت البحث والدراسة في أروقة السلطة التشريعية “البرلمان”، لكن المهم هنا فهم عمق العلاقة بين حرية التعبير والأخبار الكاذبة، فالحرية لا تعني أنها مطلقة وغير منظمه أولا يمكن تنظيمها وتقنينها لترشيد استخدامها وممارستها. بل يجب أن يكون هناك وعي لدى الأفراد والمؤسسات بأن استخدام الحرية لا تعني الفرصة لاستغلالها بشكل خاطئ حتى وإن تطورت أدوات التعبير عن الرأي ووسائل الإعلام بفضل التكنولوجيا الحديثة. أيضاً من المهم أن تكون هناك استمرارية في ضبط وتنظيم حرية التعبير دائماً والقوانين المنظمة لها مع تغيّر الظروف وتبدلها لضمان وجود توازن بين حرية التعبير وممارساتها وبين ضبطها وتنظيمها. لكن هذا الضبط لا يعني المساس بحرية الأفراد وحقهم في استخدام حرياتهم لتحقيق مصالحهم وإبداء آرائهم بحرية تامة، فحرية التعبير كبقية الحريات تنتهي عندما تتعدى على حريات الآخرين. معهد البحرين للتنمية السياسية